"وحين يسألونك عن جهاد النفس الحقيقي!
أخبرهم أن أصدق الجهاد هو قدرتك على أن تجعل هذا القلب نقياً صالحاً للحياة الآدمية،بعد كل تلك المفاجآت والعثرات والانكسارات والهزائم..
الجهاد الحقيقي جهودك مع قلبك كي يبقى أبيضَ رغم كل تلك المعارك، فلاتتغير ملامح الإنسان فيك أبداً"
مازلتُ أذكر تلك الملامح التي لطالما تمادت في قهري وظلمي دون شفقة ولا رحمة هكذا قالتها ودموعها تتساقط لتسقط معها ألماً طالما قاومته وتمردت عليه وتعايشت معه..
ألماً كان يتبعها مثل خيالها طوال تلك السنوات لم تتخلص منه حتى في غفواتها..
أمي التي فقدتها وأنا طفلة صغيرة في عمر الزهور لم أعرفها جيداً..
لكن أشعر بقربها مني حين تضيق بي الحياة..
حين تزوج أبي كنت صغيرة جداً لم أكن أدرك معنى زوجة أبٍ تقاسمني قلب أبي وبيت أمي..
كبرتُ قبل الأوان ، أفيق فزعة على صرخاتها وهي تزمجر وترعد وتبرق بدهاء ومكر لامثيل له..
تارة تتهمني بإراقة زجاجة الماء وتارة تتهمني بعدم تنفيذ الأوامر وأخرى بأخذ ألعاب أختي ،تلصق التهم بي واحدة تلو الأخرى دون شفقة ولارحمة ولا إنسانية..
كبرتُ وكبر الهم معي تمنيت الموت مرات عديدة ليس اعتراضاً على قدر الله بل رغبة في اللحاق بأمي وترك الحياة وقسوة زوجة أبي..
أبي الذي كان لايرى ولايسمع ولا يتكلم وكأنه يقول لها افعلي ماشئتِ بها..
كنت متفوقة في دراستي رغم كل ماتفعله بي وكل ماتسنده لي من أعمال منذ عودتي من المدرسة وحتى وقت نومي الذي كان عبارة عن كوابيس وأشباح تلاحقني ..
ولكنْ الله كان بين كل وقت وآخر يلطف بي من رحمته لأرى أمي في الحلم وهي ترتدي ثوباً أبيض وحولها حديقة خضراء فأحدثها وتحدثني وفي كل مرة أطلب منها أن تأخذني معها تبتسم وتغيب من جديد..
وأفيق وقد بللت وسادتي بالدموع لقد كان حلمًا وليس حقيقة..
أنهيت المرحلة الثانوية وقد رسمت حلم الدراسة الجامعية في مخيلتي وأن أصبح يوماً ما طبيبة أو معلمة أو أي شيء أشعر فيه بقيمتي واستغنائي عن أبي وزوجته ..
لكنها كانت تحضر لي مفاجأة من نوع آخر ؛ تلك المفاجأة كانت عريسًا من أقاربها !وقد أقنعت أبي وانتهى الأمر..
صرخت وبكيت واعترضت وتوسلت استعطفتها وأقسمت لها بأن افعل ماتريده..
لكن هيهات ؛ قسوة قلبها وكبرياؤها وبغضها لأمي الراحلة ولي لم تثنها عن قرارها..
تمت مراسم الزواج الذي كان مأتمًا بالنسبة لي وكان لي موعد مع خيرة الله ورحمته ..
فقد أغدق علي زوجي بكل أنواع الحب والدلال وكان ممن ساندني ووقف إلى جواري لأكمل دراستي الجامعية..
وتخرجت في الجامعة طبيبة وفرح زوجي كثيراً وأكرمني بالهدايا والعطايا..
وأنا الآن طبيبة في أحد المستشفيات أقدم ما أستطيع من خدمات للمرضى بكل عطاء وحب ..
وكانت من مريضاتي زوجة أبي التي لم أنسَ ملامحها فقد غيب الموت أبي من سنوات وتزوج الأبناء والبنات وغادروا البيت وتركوها للوحدة والمرض..
لقد تربوا على الأنانية وعدم المسؤولية كانوا قديماً يهابونها ويخافون منها لكن لم يكن للاحترام والاهتمام مكانة في قلوبهم..
حين رأيتها عرفتها جيداً وهي التي ضعف بصرها وذهبت قوتها وهدها المرض ، لم تعرفني فالسنوات التي أبعدتنا عن بعض طويلة جداً ..
قلت لها لابد من دخول المستشفى وإجراء الفحوصات اللازمة في أسرع وقت ممكن..
في الحقيقة رغم كل ماكان منها لم أفرح بمرضها إنما حزنت لقسوة ابن آدم وجبروته وقت القوة وضعفه في المرض!
لو كل إنسان أدرك حقيقة الحياة جيداً لحقق السلام داخلياً وخارجياً وسعد بحياته وأسعد من حوله..
تذكروا جيداً حين تُظلمون أن لا تظلموا أحداً فالله عدل والعدل لا يرضى الظلم.
قبل الوداع :
مما قرأت هذه المقولة الرائعة لنختم بها الكلام..
(دار الظالم ظلام ولو بعد حين).
فاطمة الجباري
التعليقات 11
11 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
فاطمة مساعد
10/09/2019 في 1:49 م[3] رابط التعليق
كلماتك جميلة وصادقة (دار الظالم ظلام ولو بعد حين)
(0)
(0)
نوف الدويش
10/09/2019 في 5:15 م[3] رابط التعليق
رائعه سلمت يداك
(0)
(0)
ساميه المطيري
10/09/2019 في 8:49 م[3] رابط التعليق
سلمت يداك أستاذتنا الغالية
(0)
(0)
غاليه الدويش
10/09/2019 في 8:53 م[3] رابط التعليق
سلمت انامك أستاذتي الحياه عادله دار الظالم ظلام ولو بهد حين ??
(0)
(0)
الجوهرة التيماوي
10/09/2019 في 9:26 م[3] رابط التعليق
قصة رائعة في المحتوى والموضوع وذات حبكة بسيطة وممتازه ونظم مختصر ومفيد بالتوفيق أستاذه فاطمة
(0)
(0)
هند المشعلي
10/09/2019 في 10:07 م[3] رابط التعليق
سلمت اناملك يارائعه ??الظلم ظلمات
(0)
(0)
هند المشعلي
10/09/2019 في 10:39 م[3] رابط التعليق
سلمت اناملك يارائعه ??الظلم ظلمات handsaleh001@gmail.com
(0)
(0)
عائشة
11/09/2019 في 9:46 ص[3] رابط التعليق
قصة مؤلمة جدًا، ياليت كل إنسان يراجع نفسه ويتعظ من النهايات السئية التي حدثت لكل إنسان ظلم إنسان لأنه في النهاية ظلم نفسه.
شكرًا فاطمة بورك قلمك.
(0)
(0)
رقية الثنيان
11/09/2019 في 8:24 م[3] رابط التعليق
تسلم الانامل
(0)
(0)
علمتني الحياه
01/10/2019 في 8:57 م[3] رابط التعليق
قصه رائعه تحمل في طياتها قصص وعبر سلمت أناملك
(0)
(0)
هند جارالله العيد
04/10/2019 في 3:40 م[3] رابط التعليق
كلام جميل وفي الصميم أ. فاطمة
(0)
(0)