عاش العالم ولا زال يعيش صراعا عنيفا مع عدو غير مرئي، ضعيف في حجمه خطير ومدمّر في نتائجه، إذ استطاع أن يُدخل الحزن في بيوت لم تتوقع للحظة أن تكون في مواجهته وتستسلم للخسارة التي لا تعوض، ففقدان أرواح كانت بيننا نتنفس الهواء نفسه ونمشي الأرض ذاتها ونتشارك الهمّ ونتبادل المشاعر ليست بالأمر الهين، فالفقد موجع والحنين لمن غادر ولن يعود يذيبُ القلب..
جميع دول العالم في حالة استنفار شديدة لمحاولة البحث عن مخرج من مأزق هذا الفايروس ولأول مرة في عمر هذا القرن يتحدّ العالم بكافة ملَلِه وأعراقه وألوانه وأطيافه في صف واحد لإدراكهم حجم الخطر المحدق بهم..
العالم كله استنفر قواه البشرية والمادية لمحاربة فايروس ضئيل لا يرى بالعين المجردة ولكن هل هذا هو الفايروس الوحيد الذي ينخر في نسيجنا الاجتماعي؟
لا .
بل لدينا كثير من الفايروسات المعنوية والمادية والتي لا تقل خطورة عن فايروس كرونا..
لدينا فايروس ( الإهمال ) في كل شيء حتى ضرب الإهمال أطنابه في عمق علاقاتنا بأحبتنا فرحل الكبار دون توديع، وكبر الصغار دون ملاحظة، واستقل الشباب دون تأثر أو تأثير ، واختلت كفتي الميزان مابين خطأ وصواب في معتقد البعض، وأهملنا واجباتنا اتجاه من يحبنا، وأهملت حقوقنا ممن نحبهم!!
وهناك فايروس ( الإشاعات )
هذا الفايروس الذي يقتات على مجاملتنا للآخر حين نرخي له السمع دون تثبت، ونسير في ركابه نوزع الأكاذيب دون تمحيص أو تدقيق، وندق أسفين الوجع في قلوب بريئة، أو نغرس نصال سكين الفرقة والشتات في أُسر كانت سعيدة فقطعنا أوصال تواصلها ببعض بسرعة تفوق سرعة الضوء وتدمر بحجم تدمير الزلازل للمدن!!
وهناك فايروس ( إدمان الأجهزة الكفية ) ولعمري أن هذا أشد وأقسى أنواع الإدمان حين نكون أسرى للجهاز، يُطوّح بنا يمينا تارة ويسارا تارات أخرى، فما عاد إحساسنا بالوقت قائما وماعدنا نهتم لمن وبمن حولنا!
تفشت فينا البلادة وعدم الإحساس بالآخر، وافتقدنا بلا مبالاة ألفة الأسرة وأصبحنا نهاجم القريب حين مقاطعتنا لنبتسم للغريب!!
وهناك فايروس لا زال يهاجم وبضراوة أرواحنا إذْ بتنا نبتعد عن أنفسنا، نلهث ولا ندري إلى أين نبحث ولا نعلم عمّ نبحث!
فتسلل الوهن إلينا وتغلغل الكسل في مفاصلنا حين تركنا رواء الروح بالقرب من الله تعالى إنه فايروس ( الغفلة وطول الأمل ).
فايروس كرونا جندٌ من جنود الله أراد بنا خيرًا فأيقظنا من غفلة، ولكن فايروساتنا والتي صنعناها نحنُ من يحمينا منها ونحن مستسلمون!!