عشنا العيد (كل عام وأنتم بخير)، ولم نخرج من منازلنا، تحفُّنا جدرانُ الاحتواء، وتنبضُ بالحنان لأطفالنا الذين يُريدون أن تقفز قلوبهم الصغيرة فرحًا خارج المنازل، وتسير بين الدروب لمُعانقة الأحباب وتقبيل أيدي ورؤوس الأجداد والجدات والظفر بالعيدية الثمينة من رائحة الحبّ والحنان الأبدي، ولكنّ هذا لم يحدث لظرف ألْجَمَ الجميع وفرّق القريب والبعيد، وتم الالتزام بالتعليمات والاحترازات، وقلنا كُلنا: سمعًا وطاعةً سيدي، نعم قلناها لوالدنا الملك سلمان الذي احتضن القلوب لنصبح شعبًا بقلبٍ واحدٍ ونبضٍ أبيضَ يُرفرف بين جنباته الحُبُّ الأخضرُ، أخلصنا الوعدَ والتزمنا الحجرَ، لم نبحث عن ملابسَ للعيد ووجدنا الخزائن تعبَقُ بكل ما هو جديدٌ؛ ملابس زاهية، عطورٌ راقية، وكماليات تؤدي الغرض للمنزل.. من هُنا تعلمنا من (جائحة كورونا) أنه ليست السعادة بصرف الأموال والإنفاق ليلاً ونهارًا لأمور لا تخدم حياتنا ولا تنمي تجارتنا الرابحة مع الله، إنما هو مزيد من التبذير والإسراف، تعلمنا كيف ندّخر ومتى ننفق!
تعلمنا كيف نُحافظ على الأموال ونستعين بها وقت الحاجة إليها، تعلمنا كيف نستثمر الأشياء المهملة فتنبض بالحياة، تملَّكَ قلوبنا الإحساس بالفقراء ومن يعملون باليوم ومن يأخذ ماله من عرق جبينه، سواءٌ بالشوارع أو المنازل، أو من تعمل بالمدارس لتتقاضى المال من الموظفات، كيف حالهم مع هذا الحجر وقد انقطعت بهم السبل عن العمل وسدِّ لقمة عيش أطفال صغار؟! تعلمنا الكثير يا سادة، تعلمنا حب المنزل والانتماء له، شعرنا بجو الأسرة واحتواء الأبناء والبنات والقرب منهم وفهم ما تنبض بهِ قلوبهم البريئة، أصبحنا أكثر قربًا منهم، تعلمنا كيف نشعر بقيمة المنزل أيضًا، وكيف يتم استثمار كل ركن فيه، فهو يحتوي زوايا متعددة، وقد أوجدت تجربتي ركنًا للقراءة بمكتب متواضع، وزاوية لأطفالي وكيف يُنَمُّون مهاراتِهم ومواهبَهم، وزاويةً للّعبِ الحرّ؛ لتُصبح منازلُنا مُضاءةً، وفرحةُ أطفالنا باقيةً لا تزولُ مهما حدث، لأننا - ولله الحمدُ - نعيش نعمًا عظيمةً في هذا الوطن المِعطاء.
والآن المآذن تُردِّدُ (حيَّ على الفلاح.. حيَّ على الصلاة)! أستأذنُ قلوبَكم للتحدث عن هذه الفرحة بإسهاب؛ لأنها من أعظم النعم التي عادت إلينا بعد طولِ انتظارٍ؛ كانت الشوارعُ خاليةً والممراتُ موحشةً بدون صوت القرآن والصلاة بالمساجد، أيها الإنسان.. هذا من أعظمِ الدروسِ التي تتعلمُها في حياتِكَ؛ أنك سببٌ لعمارة الأرض، سببٌ لعمارة هذا الكون، وبعد رفع الحظر خرجنا للشوارع فوجدناها مثل ما تركناها منذُ ثلاثةِ أشهرٍ تقريبًا؛ لأنّ الإنسان اختفى منها ولم يعُدْ يسيرُ فيها، أيُّ جائحةٍ تلك التي أدْمَتْ القلوبَ وفرّقتْ الأهلَ وأحزنتْ براءةَ الأطفال وجعلتْهم يبْكُون ويشعرُون بالملل ويريدُون أن يعودوا كما كانت الحياةُ سابقًا.
أيُّ جائحةٍ تلك التي ضرَبت أقسى أنواعِ الحقائقِ! وفجَّرَت في القلوبِ الطاقةَ الكامنةَ والعزيمةَ الصادقةَ والإرادةَ الثاقبةَ النابعةَ من القلب في سبيلِ أن نعودَ إلى الحياةِ من جديدٍ! أخيرًا.. تحيةٌ موشحةٌ بالزمرد، مُرصعةٌ بالألماس، مكتوبةٌ بماء الذهب، أُقدمُها لكلِّ إنسانٍ حيٍّ جعلَ من تلك الأحداثِ المرعبةِ المحزنةِ الموجعةِ قصةَ نجاحٍ تُكتَبُ في سماء الوطن، فلك أيها الإنسانُ وسامُ شرفٍ لقيمتِكَ العظيمةِ في حياةٍ لا تنبضُ إلا بك فقط.
بقلم: هيفاء الربيّع
قيمتك أيُّها الإنسان
(0)(1)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6508544.htm