رحلتُنا لنْ تكونَ إلى أرخبيلِ أندونِيسيا، ولا جزُر المالْديف، ولا أيّ وجهةٍ أخرى في العالمِ، ولنْ نصْطحبَ أجسادَنا معَنا، سنتركُ حقائِبنا تقبُع في مكانها، ولن نكلّف أنفسَنا وعْثاءَ السفرِ، وتنسيقَ جدولِ الرِّحلةِ، واختيارِ الصحبةِ، وعناوينَ الفنادقِ..
بلْ سنسافرُ بأرواحنِا فقطْ إلى أعماقِ أحدهِم، إلى عالمٍ لمْ يشاهدْه بشرٌ..!
عالمٌ خياليٌّ تتلاحقُ صورهُ أمامَنا وكأنّنا شاخصونَ بأبصارِنا أمامَ شاشةِ عرضٍ عملاقةٍ، نستعرضُ فيها أنماطَ البشرِ، لا يعْنينا لون بشرةِ الإنسانِ، ولا طريقتهُ في تصفيفِ شعرهِ، ولا يلفتُنا عنايتهُ بهندامهِ، بقدرِ ما يهمُّنا طريقةُ تعاملهِ معَ الأقلِّ منه..
هنا تبدو قِيْمةُ الإنسانِ وقِيَمهِ، إذْ غالبًا نتصنعُ الجمالَ مع الأثرياءِ والوجهاءِ والنافذينَ لنبدوَ أننا لسْنا أقلّ منهُم ويَحقُّ لنا مُجالستُهم !!
وحينَ نلتقي الإنسانَ الحقيقيّ البعيدَ عن التزييفِ نتجاهلُ حضورهُ وقدْ نتهربُ منه، نخشى أن ينقُل لنا عدوى الفقرِ أو البؤسِ، عمْق نظرتهِ لا تحرّكُ ساكنًا فينا نرتابُ في صدقهِ !!
السفَر إلى أعماقِ هؤلاءِ متعَة، والتقرّبُ إليهم تحدٍّ لا يطيقهُ الجَميع..
تعالُوا نحزِم أمتعةَ قُلوبنا المكدّسةَ فوق بعضِها حبًّا وإنسانيةً ورحمةً وعطفًا وصدقًا وثقةً، نرحلُ بها إلى أحدهِم لنستقرّ في عمْقه..
فنرسمَ معالمَ لبناءٍ لا يترهلّ، بناءُ إنسانٍ قويّ لا يقبلُ الانكسارَ في عُيونِنا..
إعمارُ القلوبِ ليسَ هناكَ أسهلَ منهُ حينَ يأذنَ الله بذلك، فقطْ سنحطّ رحَالنا هناكَ حيثُ القُلوب المكسُورة تلكَ القلوب اللتي تتقافزُ طربًا للصدقِ والحبِّ، نرمّم ما تهاوَى منهَا ونعيدُ وهجَ آدميّتها المُهدرةِ على بُسط الغرورِ والكبرياءِ لنخطوَ معًا ونحلم معًا ونضحك معًا ..
سنشعلُ فتيلَ أملٍ يضيء به جوانبَ معتمةً في روحِه، ونتلقفُ بودٍ ما تساقطَ من ألمهِ وحزنهِ ووهنهِ من حيثُ لا يشعُر، لنعيدَ ترتيبَها أملًا وفرحًا وقوةً.. وحينَ يكتملُ البناءَ، ويعودُ يتأنقُ بالبسمةِ، ويقوى بالثقةِ، سنمدّ أكفّنا مصافحينَ ونرحلُ لنكملَ خطّ سيْرنا إلى جهةٍ أخرى غيرَ معلومةٍ نمارسُ فيها الركضَ المعنويّ الجميل.
إِلَى أَعْماقِ أَحَدِهِمْ


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6517915.htm