دعونا نبدأُ مقالنا هذا بقصةٍ عجيبة..
يُحكى أنّ سيدة كانت تتناول الغداء مع أسرتها، وفجأة توهمت السيدة أنّ عظمَ سمكة صغير قدْ عَلق في حنجرتها وأنها ستموت، ممّا اضطرّها للذهاب إلى المستشفى، و رغم أنّ مجموعة من الأطباء أكدوا على عدم وجود أثرٍ للعظم، إلا أنّ السيدة مصرّة..!
وبدأت تدخلُ في مرحلة الانهيار النفسي، حتى تدخّل أحد الأطباء بذكاء، وأتى بملقطٍ صغير أخفى فيه عظم السمكة، ثمّ تظاهر أنه وجد العظم وبدأ في استخراجه حتى وضعه أمامها..!
هنا فقط بدأت السيدة تتحسن، وعادت لحالتها الطبيعية ..
الطبيبُ الحاذق لمْ يفعل شيئا إلا أنه ساير عقلها وما أوهمها به..!
هنا يبدو لنا ضَعف الإنسان..!
كلنا معرض لأنْ يحطّ على صدره طائر الوهم، وينشب مخالبه في عقله وتفكيره، ويسلبه إرادته، لاسيّما حين يكون هذا الطائرُ على هيئة إنسان يتدخل عنوةً في تشكيل شخصيته، ويبدأ في التأثير عليه، وإقناعه بأساليب قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، والأمثلة هنا كثيرة ..
كأنْ يُصر الأهل على أنّ أحد أبنائهم عصبي، ويتحدثون بذلك أمام الجميع وعلى مسمعٍ منه..! وهنا يبدأ الابن في تلبس دور العصبي، فتراه يثورُ لأتفه الأسباب، يفتعل ما يشعر الجميع أنه عصبي..! وهو يعلم أن هناك من سيبرّر له، فتكبر معه الصفة ويدفع ثمنها مستقبلا..
وهناك أمٌ رؤوم تخشى على ولدها الصغير من الناس، من الطريق، من المرض، وتذكره دائما بضرورة الحرص وتحاشي الآخرين، وأن لا يُقدم على شيء خشية أن يؤذيه، فتُكرّس لديه الاتكالية، والخوف، والضعف، فينشأ ضعيفا خاويًا مهزوزًا..!وهناك مجاميع الأصدقاء حين يُلبسون أحد الرفاق ( المرهفين ) حُلة ( النفسية )..!!
وهناك معلمة إن تكرّر الخطأ من طالبة عنّفتها، وكرّرت على مسامع الجميع أنها غبية لا تفهم..! متجاهلةً الفروق الفردية، وأنها قد تبدع في شيء آخر فتدمّر نفسيتها..
الإيحاءُ النفسي.. سلاح ذو حدين، فإما أن يكون علاجًا ناجعًا لكثير من الحالات المصابة بالرُّهاب والفوبيا..! كما في سيدة عظمِ السمكة، أو أنْ تكون ساحة في اللّاوعي يستغلها الجهلة والمنتفعون بالتأثيرِ السلبي على الضعفاء ومسلوبي الإرادة..!الإيحاءُ النفسي.. يمكن استخدامه كتقنيةٍ علاجية إن صح التعبير، إذْ حين تثق بنفسك، وتحاورها وتشد من أزرها، وتتجاوزُ بها عقَبات الخوف والخجل والتردّد بالإيحاءِ لها أنكِ الأقوى والأفضل، ستتمكن من التحليق..
وعيُ الإنسان وقدرته على رفض كل الإيحاءات السلبية من أي شخصٍ كان، له ارتباطٌ وثيقٌ بعقله، وبما يختزنهُ في ذاكرته، وهنا يتوجب عليك صنع ثوابت عقلية، وذكريات قوية غير قابلة للتأثر بالإيحاء السلبي المدمّر، لا سيّما وأن الزمن أصبح مخيفًا جدا ولا نجاة إلا بالثبات..
أيقنْ بأن: (( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)).
جواهر محمد الخثلان

الإِيحَاءُ النّفْسِي


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6532395.htm