صبارة تقبع في زاوية صغيرة في مركن نحاسي قديم تبرز في مقدمته نتوءات تشكل صورةً لزخرفة فنية متداخلة، بجانبها الأيمن طاولة صغيرة يعلوها كتاب انكفأ على وجهه وعن يسارها بهو ليس واسع بما يكفي لعبور شخصين متجاورين ، استطالت الصبارة حتى توقف نموها الطولي فقررت أن تختزن غذائها في جوانبها فبدت وكأنما هي نافورة شمعية مهملة اذابت الحرارة أطرافها المتشبعة بالشمع ، عايشت الصبارة كثيرا من الأحداث والمواقف اليومية تحت سقف هذا المنزل الذي لا تدري حتى اللحظة من أسكنها زاويته إذ تفتق ساقها عن براعم صغيرة ما لبثت إن ذبلت وعلاها السواد، كنت ترى بما يشبه العين الدقيقة إمرأة تجاوزت الستين من عمرها وهي تلصق قصاصة من ورق على باب خزانة عتيقة رصفت عليها العديد من الأغراض دونت في قصاصتها موعدها في عيادة للعيون اذ لم تعد الذاكرة تسعفها لأن تحتفظ فيها بالمواعيد وهناك صبي مشاغب كثيرا ما دحرج كرته في وجهها وكثيرا ما أصاب برعم لها فكسره وادمى قلبها ولا زال يتكرر أمامها رجل يأتي في نهاية كل مساء يلقي بلامبالاة كومة من المفاتيح على الطاولة الصغيرة وكأن مفاتيحه أثقل من همومه ومتاعبه إنه رجل صبور جدا تظنه استوحى صبره من اسمها وحالها تلحظه جيئة وذهابا للقيام بشأنه بلا ملل أو كلل ودون الاعتماد على أحدهم ممن يقطن موطن الصبارة .. إنها ترقبهم وترصد تحركاتهم تراقب فتاة خجولة رقيقة صبت جلّ اهتمامها بنباتات غرستها في مراكن ملونة .. في موطن الصبارة تواترت الاحداث مابين حدث حزين ومؤلم وبين فرح وابتسامات كانت الصبارة خلالها تشرئب بعنقها لتكون كشاهد على العصر تختزن في تلافيف ذاكرتها العصارية مشاهد واحداث يتجاهلها السكان بقصد وبغيره فتفتح فمها دهشة من قدرة الإنسان على التلون وتارة تغمضها أسف وحسرة حين ترى دفن الحقائق بلا مبالاة ، صبارة تمثل التاريخ في رصدها للإحداث ولكنها صامتة لا تستطيع ان تبوح او تتحدث وقد يكون هذا ما يعجبها فليس كل ما يعلم يقال. ترى لو تحدثت نباتات منازلنا فماذا عساها أن تقول؟


وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6540065.htm