بعد وفاة والده المعلم ترك الصبي دراسته التي كان المتفوقاً فيها وذهب يبحث عن مصدر دخل ليعيل أسرته فذهب إلى السوق ولم يكن يتقن أي من أعمال السوق فقط أنه يعرف أنه يحب العلم و الحكمة و يحفظ العديد منها فأخذ يكتب على قصصات ورقية حكم حتى كتب عدد لا بأس به و بينما من في السوق من الناس ينادى بالملابس و الخضروات و اللوازم للبيع فاجأهم الصبي بأن بدأ ينادي ب "حكمة للبيع " وسخر منه الجميع فالولد صغير و من يشتري الحكمة منه ولكنه صبر و ظل ينادي حتى أتى ذاك اليوم حيث كان ولد أحد أغنياء المدينة يتمشى بالسوق و كان به بلادة فسمع الولد و أشترى منه حكمة ولما فتحها وجد عبارة "لا تتفرج على إثنان يتقاتلان " وذهب الولد لوالده وأخبره فغضب الوالد و توجه للصبي و عنفه و طلب إسترداد المال و فعلا أسترد المال و لكن الصبي إشترط عليه أن لا يستخدم إبنه الحكمة ووافق الوالد على ذلك و بينما كان الولد يتمشى في السوق إذ حدثت مشاجرة بين جاريتين من جواري السلطان و قبل أن يذهب تذكر شرط الصبي فوقف يراقب المشاجرة حتى إنتبهت إليه الجاريتين و قالا سنطلبك للشهادة لدى السلطان و فعلا خاف الولد و أبلغ والده الذي أسف للموقف و لحكمة الصبي التي أهدرها فقال له إبنه لتذهب للصبي و تسأله لعل عنده الحل و فعلا ذهب الوالد للصبي و سأله وطلب الصبي مبلغا كبيرا للإجابة و قبل الوالد فأخبره أن يتظاهر ولده بالبلاهة و شيء من الجنون عند طلبه للشهادة حتى يطرده السلطان و فعلا نجحت الخطة و سلم الولد على حياته و لكن الأب خاف أن يكشف السلطان الأمر و يغضب فذهب مرة أخرى للصبي ووافق الصبي على إعطاءه الحل و لكن بمبلغ مضاعف هذه المرة فقال له إذهب للسلطان و قول له الحقيقة فسوف يضحك و يعفو عنك و عن إبنك و فعلا هذا ما حصل و لكن السلطان طلب أن يأتوا له بالصبي فلما أتاه الصبي طلب شراء حكمة منه و قبل الصبي و كانت قيمتها كبيرة جدا و كانت الحكمة تقول " لا تعمل أي شيء ما لم تفكر فيه بروية وبعمق ".
ذهبت الأيام و مرض السلطان مرض شديد وتآمر وزيره على أن يقتله بالسم عن طريق طبيب يأتي به بعد أن يمدحه للسلطان و فعلا أتى الطبيب و قدم السم للسلطان على انه علاج و طلب منه أن يشربه و لما هم بشربه تذكر حكمة الصبي و أنزل الإناء و أخذ يفكر فخاف الطبيب و ظن أن أمره إنكشف و إنهار و أعترف على الوزير و بمؤامرة السم و بهذا أفادت هذه الحكمة السلطان و أنقذته .
هذه قصة من التراث الهندي ويزخر أيضاً تراثنا الشعبي و العربي و الإسلامي بكثير من قصص الحكمة.
قال تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسُلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)
الحَكَمَةُ: ما أحاط بحَنَكَي الفرس حتى تمنعه من الجري الشَّديد، وتُذلِّل الدَّابَّة لراكبها و تمنعها من الجِماح ومنها تم اشتقاق الحِكْمَة؛ لأنَّها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل.
قال أبو إسماعيل الهروي: (الحِكْمَة اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه) .
قال هيجل: " الحكمة هي أعلى المراتب التي يمكن أن يتوصل إليها الإنسان فبعد أن تكتمل المعرفة ويصل التاريخ إلى قمته تحصل الحكمة، وبالتالي فالحكيم أعلى شأنا من الفيلسوف" .
فمعرفة الحكمة والسعي إليها و شراءها أحياناً من المستحبات و المفيدات .
فرحان حسن الشمري
للتواصل مع الكاتب:
e-mail: fhshasn@gmail.com
Twitter: @farhan_939