كان الشيخ أحمد بن صدقة أبو بكر الضرير (نحوي من أهل النهروان) في جنازة، وسمع صبية يبكون، ويقولون: من لنا بعدك يا أبة؟ فلما سمعهم أبو بكر قال: الذي كان لأبي بكر الضرير.
فسألوه عن جوابه هذا فقال: كان أبي فقيرا وكان يبيع الخزف ولي أخت أكبر مني، وكنت قد أتي علي في بصري. فسمعت ليلة أبي يقول لأمي: أنا شيخ كبير، وأنت أيضًا قد كبرت وضعفت. وقد قرب منا ما بعد.
وهذه الصبية تعيش بصحة جسمها وتخدم الناس وهذا الصبي ضرير، قطعة لحم. ليت شعري! ما يكون منه؟ ثم بكيا وداما على ذلك وقتًا طويلاً من الليل. فأحزنا قلبي.
وفي اليوم التالي ذهبت إلى الكُتاب كالعادة فما لبثت إلا يسيرًا إذ جاء غلام للخليفة، فقال للمعلم: السيدة تسلم عليك وتقول لك: قد أقبل شهر رمضان، وأريد منك صبيًا دون البلوغ حسن القراءة طيب الصوت يصلي بنا التراويح. فقال: عندي من هذه صفته وهو مكفوف البصر ثم أمرني بالقيام معه. فأخذ الرسول بيدي، وسرنا حتى وصلنا الدار.
فأذنت السيدة لي فدخلت وسلمت. واستفتحت وقرأت، فبكت واسترسلت في القراءة، فزاد بكاؤها. وقالت: ما سمعت قط مثل هذه التلاوة.
فرق قلبي، فبكيت. فسألتني: ماذا يبكيك ؟ فأخبرتها بما سمعت من أبي. فقالت: يا بني يكون ذلك من لم يكن في حساب أبيك.
ثم أمرت لي بألف دينار. فقالت: هذه يتجر بها أبوك ويجهز أختك. وقد أمرت لك بإجراء ثلاثين دينارًا في كل شهر. ثم أمرت لي بكسوة, وبغلة مسرجة ملجمة, وسرج محلي. فذاك سبب جوابي للصبية عندما قالوا: من لنا بعدك يا أبة؟
من كتاب" نكث الهميان في نكت العميان" ل صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ)
فرحان حسن الشمري
للتواصل مع الكاتب:
e-mail: fhshasn@gmail.com
Twitter: @farhan_939