كانوا يملؤون الدنيا جمالا بل هم الحياة للآخرين، تبدأ الصباحات اللطيفة بتمتماتهم، وتراتيل أذكارهم، وتتجمل الأماكن برائحتهم الأخاذة والتي قلما تُنسى، فحين تعبرنا ذات يوم تحملنا الذكرى على أجنحة الشوق لهم فلا تهبط إلى بدمعة أثقلها الحزن عليهم ..
نراهم في كل التفاصيل .. هنا كانوا يجلسون، وهناك رصوا الوسائد لاستقبالنا، وهذه دلة قهوة أظنها تتذكر لمساتهم رغم صمتها الموجع، وهذا صندوق يضم (بعض متاعهم الشخصي)..
لا زالوا بيننا ولكن عالمهم مختلف تماما، ينظرون ولا يرون ! يسمعون ولا يدركون ! ينطقون جملا مفككة وغير مترابطة، مواضيعهم تداخلت فيما بينها، غادرت ذاكرتهم بعيدا جدا، وتركت لهم جزءا يسيرا يُطلون من خلاله ثم لا يلبثون أن يعودا إلى دائرة الذاكرة المهاجرة ..!
كبار السن من مرضى الزهايمر يعيشون ظروفا مختلفة، أثقلتهم أنفسهم فيغمضون أعينهم وكأنما يرفضون واقعهم، فلا ملامح يتعرفون عليها ولا ذكريات تعود بهم ولا حاضر يتفاعلون معه ..!
واقعهم موجع حدّ الموت حين لا نستشعر آلامهم وحجم غربتهم، حتى دموعهم يبدو أنها هجرتهم وتنكرت لهم ! فلا دمعة تُربت على وجناتهم للتخفيف، ولا زفرة تنفث معها جزيئات آلامهم النفسية.. عمق معاناتهم لا قرار لها، وأقرب الأقربين لهم يلهثون في معترك حياتهم متناسين هؤلاء وكأن الإنسانية توقفت على بذل المال للمستحقين دون بذل الحب والاحتواء لمن كان يوما باذلا بلا حدود ..!
ما أقسى أن لا يعرفك من قاسمته نبضه، وما أشد وجع فقدان التواصل الروحي، وما أضعفك أيها الإنسان ..
هم بحاجتنا أكثر من أي وقت مضى، حتى وإن لم تعد ملامحنا ولا أصواتنا مألوفة لهم فلا يميزون من نحن، ولا يتذكرون أسماءنا ولا أسماءهم، رأفتنا يجب أن تحضر، وحبنا لهم يجب أن يزداد، واحتوائنا لهم واجب، فلا خير فينا إن زدنا غربتهم غربة .
بقلم: أ. جواهر محمد الخثلان
عالمهم
(0)(4)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6552965.htm
التعليقات 1
1 pings
هدى عبد الحي
30/04/2021 في 1:05 م[3] رابط التعليق
أتدرين!؟
وأنا أقرأ هذا المقال عشت حالة من يعيش (عالمهم) ومن يعيش على حافّته
أتساءل عن أعظم شعور عند الأم أو الأب وهو كنه الأمومة والأبوّة أو اكسير الوالدية {هل يعرفون أولادهم؟ هل فقدوا هذا الشعور؟ أكثر ما يخيفني هو هذا ؟}
سلم القلم و أجرُ الألم
تحيتي
(0)
(0)