مدخل:
تلفت سيارة أحدهم فلجأ إلى جيرانه ومعارفه واصدقاءه وجمع من المبالغ ما جمع واشترى سيارة أخرى جديدة كلياً. هذا الرجل لم يخسر من جيبه ريالاً واحداً، حتى ابناءه لم يبذلوا شيئاً وكل ما فعلوه هو تحصيل المبالغ من الجيران وتسليمها لوالدهم.
ما رأيكم بتصرف هذا الرجل؟ وما رأيكم بموقف أبناءه؟ وهل هذا التصرف بكامله يدخل العقل ويقبله المنطق؟
العرف القبلي في جمع الديات:
يتحمل أحدهم غرماً فيلجأ إلى فخذه أو عاقلته ثم يبدؤون في جمع ما يلحق كل منهم وإن كان لديهم حضناً (الصندوق حالياً) أخذوا كل مافيه ولا يبقون شيئاً ثم يتجهون إلى أقرب الفخوذ لهم نسباً فيسترفدون منهم رفداً ليس مشروط، ويقبلونه بلا تذمر، كثيراً كان أو قليلاً، ثم يذهبون إلى القبيلة الأقرب نسباً وهكذا الأقرب في الأقرب حتى يصلون إلى القبيلة الأم، فإن جمع المبلغ وإلا أعادوا الكرة مرة أخرى على أنفسهم أولاً ثم من يليهم وهكذا حتى ينتهي الحِمْل، في عملية تشبه الهرم المنكوس، تبدأ من العاقلة وتتوسع حتى الجد الأعلى للقبيلة.
هذا هو العرف القبلي في المغارم سواء في الديات أو الجوائح أو الديون وغيرها، وهو عرف قبلي قديم، ومسألة شرعيته من عدمها لدى أهل العلم الشرعي وذوي الاختصاص.
أما ما يحصل اليوم فهو بعيداً عن أصل العرف، وأصبحت اسرة الجاني وعاقلته سالمة من الخسارة، بل قد يجدون في النهاية فائضاً من الأنعام المساقة أو الهدايا الثمينة.
الوضع الحالي:
كالكثير من الأعراف والأحكام القبلية تم تطويع وتكييف بعضها لتتماشى مع الأهواء والرغبات، فأصبح الوضع ارتجالي بحت، ساعد على ذلك حب الظهور لبعض ميسوري الحال، وحب بعض القبائل الصغيرة أو المغمورة وربما غير المعروفة في الظهور وإثبات تواجدها عبر هذا المدخل، وكذلك بروز بعض الزعامات الجديدة في بعض القبائل ومحاولة هذه الزعامات أن تتصدر المشهد في أوقات الأزمات، فمن غير المنطق أن تأتي قبيلة أو متزعم جديد بمبلغ مالي جيد ثم يقال لهم أنتم لستم منّا أو بأنك يا فلان لست بشيخ لمن حولك.
الإعلام الشعبي الجديد:
انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي وبالأخص السناب شات ورسائل الواتس أب، فشكلت منعطفاً في حياتنا وفي سلوكنا في كل مناحي الحياة، وأخذت توجه الرأي العام في أي قضية سواء بالسلب أو الإيجاب، إلا أنها في موضوع جمع الديات أصبح ينظر إليها بعين الريبة والشك، وأصبح الشيخ سناب بمقام شيخ القبيلة وهو الآمر والناهي، وزاد من الأمر تعقيداً بأن من يقوم على هذه السنابات جلهم من الشباب قليلي الخبرة والمعرفة بما يدور في الشأن القبلي.
الأمر مالي بحت ومن يخدم القبيلة بجد وبإخلاص لا يتعدون أصابع الكف وليس الكفين. وهذا لا يعني وجود بعض الإيجابيات ولكنها بكل الموازين اقل بكثير من السلبيات، وعلى من يتصدرون المشهد أن يعدلوا منهجيتهم وطرقهم وأن يزيلوا بعض الشبهات المحيطة بالدعاية لجمع الأموال.
من المتناقضات في السنابات القبلية أن تجد إعلاناً عن بهارات أم عليوه، وتارة عن ناقة فلان، ومرة أخرى عن تيس فلان، ثم تتفاجأ بتصدرهم المجالس وإبراز الشيخ فلان على حساب الشيخ فلان.