على مر الأزمنة والعصور والسنين في رِحلة استعمار البشر للأرض واستئناسهم بها والبحث فيها عن الملجأ والأمان والطمأنينة، ظهر جليًا أن أكبر مُلهم ودافع بعد غريزة البقاء والامتداد والاستمرارية هو محاكاة الجوانب التي تصنع الفرق في تعامله وحياته وتقدمه على هذه الأرض، فنهج العشوائية في بدايته والبحث عن قوته وتكاثره وسيطرته والدفاع بشراسة عن ذلك، حتى أتت الحضارة والدين والدوافع الإنسانية وهذبته وجعلت منه كائنًا يبحث عما يريد بطرق يتخللها الكثير من المبادئ الجيدة والقيم الرفيعة، فأصبحت الأخلاق في المقام الأول كرمز وعنوان لبناء جسور الأُلفة الإنسانية في هذه الحياة، فالتعامل بها يرتقي بهم نحو الأفضلية ويسمو بهم ويصنع حضارتهم، فأدق التفاصيل التي تسري الأخلاق بها تجعل منها نموذجًا براقًا وجذابًا وأكثر أمانًا مليئًا بالوفرة والذوق والتكامل والجمال وكل ما من شأنه يُقرب البشر من إنسانيتهم ويجعلهم في طريق الصواب فمما لاشك فيه ويظهر لنا جليًا في وقتنا الحاضر .
إن الشعوب والمجتمعات التي يتمتع أفرادها بأخلاق عالية في تعاملاتهم وحياتهم ترتقي بهم في المقدمة فنجد الصواب يرجح على الخطأ، والظلم محدود والاستبداد معدوم والتفرقة والعنصرية لا أثر لها والرحمة ظاهرة والتراحم منتشر بين أفراده، فالجميع يتكاتف ويسعى إلى الإرتقاء والنمو والتقدم الذي يقابله الراحة والأمان والسعادة.
هذه مقدمة بسيطة عن أهمية الأخلاق وضرورة بل ووجوب أن تُزرع وتدرّس في كل منزل وبيئة حاضنة في مجتمعنا بالتحديد إذا أردنا أن تكون لنا حضارة أساسها الخُلق الرفيع وهو لبُ كل شيء لقول الرسول ﷺ (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، ومن هنا نستنتج أهمية أن تُغرس في الصغار حتى يكبروا ويجدوا أنفسهم وما حولهم في مجتمع متوازن مليء بالأمان والاستقرار وحب الحياة.
فواجب الآباء والأمهات الذي ينجبون ليروا أبناءهم يكبرون بتوفير المأكل والمسكن أن يجعلوا من الأخلاق أساسًا كذلك بغرسها في عقولهم وأفكارهم وأرواحهم ليجنوا عقليات راقية أساسها خُلق وأخلاق حميدة.
ختامًا ومن أحكم من الله قولًا: (وإنك لعلى خُلق عظيم ).
بقلمفوز الغامدي