من أجمل اللحظات زيارة ضفاف الوادي الجميل طريب، والوقوف عند منعطفاته القديمة وروافده وبعض ماتبقى من جمالياته التاريخية. صحيح أن الكثير من ملامحه تغيرت، وضيقت قصباته الهوائية التي كان يتنفس من خلالها. حتى مجرى الوادي بنيت عليه سدود صخرية لغرض لا يبدو مقنعاً ولا مجدياً مع تصحر طبيعي شديد وتجريف قام به الساكن بلا رحمة. أما ملامح الوجه الجديد لـ "طريب" فهي مبهرة للذين عاشوا به قبل أكثر من ثلاثة عقود مع مستوصف واحد ومحطة محروقات تعمل إلى قبل منتصف الليل ودكاكين ثلاثة في الفرعة ومشروفة.
بفضل الله طريب اليوم متطور. خدمه موقعه المهم. أكتض بالأحياء الجديدة لكثرة الوافدين إليه من خارجه. افتتحت به المخازن الغذائية الكبرى وكأنك في أبها. المقاهي حديثة والمؤسسات التقنية متوفرة وبها كل ما يحتاجه الناس. المراكز الحكومية ذات طرازات ملفتة. كل شيء هناك مبشر ويعكس جهود الدولة رعاها الله ومتابعة سمو الأمير تركي بن طلال واهتمام الموظفين بطريب.
لكن هناك شباب قلَّة لم ينال التوجيه والمتابعة والمراقبة من الأهل والمجتمع. هذه القلّة تعكس السير في الطرق الخطيرة!. تحمل الأسلحة النارية بشكل مخالف لكل منطق. في أحد المقاهي كانت الفتاة المحترمة تستقبل الطلبات، وأمامها يقف مجموعة "أولاد" أعمارهم ما بين 16 - 19 سنة ربما، ويتدافعون مع أصوات مزعجة وبعضهم يحمل السلاح السيء بشكل أسوأ. الموظفة لاحظت إنتظاري لإنتهاء المشهد، قالت كيف أخدمك، لا تهتم لقد تعودنا عليهم؟. وخلال لحظات إنتظار تحضير القهوة، توجهت للشباب بأسلوب أعلم سلفاً أنه لن يغضبهم، وقلت مفتعلاً الإبتسامة: ألا تحترمون ياشباب سمعة المكان الذي يأتي إليه الكثير، ووجود أختكم التي تؤدي واجبها الوظيفي وتخدمكم بكل ثقة وأدب.. ألا تعلمون أن تصرفاتكم هذه مخالفة للأنظمة والقوانين والآداب العامة في الأسواق والشوارع؟، وهل تعلمون أن الكاميرات قد تسجل كل تقومون به من عبث وقد يطالكم العقاب؟. "لا أعلم هل توجد كام أم لا". وكانت المفاجأة .. جميعهم أنصتوا بأدب ثم انسحبوا من أمام الموظفة وخفتت أصواتهم وعلا وجوههم خجل حقيقي، جميعهم تمتموا بإعتذارات محترمة لم أطلبها ولا أستحقها، أخذوا الجانب الآخر بالمقهى وجلسوا بكل خجل. غادرت ولن تختفي الظاهرة.
هؤلاء الشباب المحترمين هم في النهاية صدى لمجتمعهم. وبكل صدق ليس المسؤول عن تصرفاتهم وتربيتهم وتوجيههم أي جهة حكومية أو مسؤول إداري ولا أي رجل أمن ولا حتى معلم المدرسة، بل هو المجتع الذي يستخدم الشارع والسوق والمقهى ويراهم على هذا الحال وكأنه لا يرى. المجتمع لم يعد يبالي مع الأسف ولم يعد ينهض بواجباته كما كان. لو كان هناك تعاون حقيقي من المجتمع المحلي الذي يستخدم هذه المرافق مع رفضه الواضح للسلوكيات المخالفة وللمظاهر السيئة التي حددتها الأنظمة والقوانين والعقوبات التي تساعد المواطن على منع التجاوزات لما تجرأ أي أحد وخالف الأنظمة والذوق العام ورغبات المجتمع المحلي ونواميسه..
لو كان هناك تعاون من المواطن والمقيم والآخر العابر مستنداً على تعليمات المؤسسات الرسمية وأنظمتها التي وجدت لأجل راحته لأستجاب الشباب ولأنصاع الجميع للأنظمة تلقائياً، لكن ..؟.
عبدالله غانم القحطاني
لواء طيار ركن متقاعد / باحث دراسات أمنية واستراتيجية.