قرأنا عن أعظم هجرة منذ خلق الله الأرض ومن عليها، هجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة فأصبحت السنوات و الأيام من بعدها حدثا يؤرخ به حتى قيام الساعة..
وسمعنا عن عقول مهاجرة لأولئك العباقرة الأفذاذ اللذين يهاجرون من أوطانهم حينما لا يجدون التقدير المحفز لمواهبهم وقدراتهم، يقتلهم الحنين لمرابع الصبا وذكريات الطفولة ولكن هيهات هيهات..
ونسمع عن أجساد مهاجرة حينما تدكّ ويلات الحروب سكينة أمنهم، ويقض مضاجعهم أزيز الرصاص، ودويّ المدافع فيرحلون تاركين بقية من أشلاء أحبة لهم وماتبقى لهم من متاع ..
ونسمع عن هجرة الطيور بعيدا عن لسعات البرد القارس، وبحثا عن الدفء لتعود بعد انكفاء البرد أكثر شوقا وأعذب تغريدا ..
ونسمع عن هجرة قسرية حين يشتد الأذى، وتستحيل الألفة، ويقتات الشك على اليقين، وترتفع وتيرة الخلاف هنا فقط القلوب الرقيقة لا تتحمل كل هذا فتهاجر تاركة خلفها مشاعرها وذكرياتها وقد تحمل معها ندبات لا تزول ..
وهجرة أخرى مزاجية تُخضع صاحبها للرحيل فلا أحد يمتلك قدرة السيطرة على قلبه مهما كانت قوة بأسه، فالقلوب أمرها بيد الله جل وعلا يقلبها كيف يشاء، فما في قلبك اليوم لا ضمان عليه أبدا ليبقى كما هو غدا، ومن كان نديما لك بالأمس قد يهجرك اليوم ويغدو أثرا بعد عين ..
و هجرة داخلية إلى نفسك تعتزل بها محيطك فتنطوي وتتقوقع غير مدرك أنك أنت من يخسر نفسه! فالإنسان بطبعه اجتماعي يؤثر ويتأثر إما أن تهجر مجتمعك ومحبيك فيجب عليك ان تفتش في خبايا نفسك وتبحث عن الخلل فليس كل عزلة محمودة .
و أما أعتى أنواع الهجرة القلبية وأقساها هو البعد الروحي عن الله وهجر القرآن، وهجرة عن قلوب الأحبة بالجفاء والهجران! كلها هجرة قلبية من الفطرة السليمة إلى غياهب الضلال.. فكيف تهاجر بقلبك؟
هجرة القلوب عن محيطها هجرة مميتة لا ينعش ذبولها طب، ولا يقطّب ندباتها أمهر الجراحين..
هاجروا بقلوبكم إلى رحاب الإيمان والاستقامة لتطيب لكم الحياة وتصفو لكم مباهجها..
هاجروا بقلوبكم هجرة غضة ندية لقلوب أحبابكم، ولا تهاجروا منها أو تهجروها فإن القلوب مثل الزهور تسقى بماء الحب لتبقى نابضة نضرة ، هاجروا بقلوبكم حيث دفء المشاعر وصدقها امنحوا قلوبكم فرصة التعايش السلمي الآمن مع احبتكم فالقلوب حين تهاجر لا تعود وإن عادت لا تعود كما كانت.
بقلم الأستاذة: جواهر الخثلان