أمر حتمي أيا كان نوعه، خُلقنا لأن نكابد ونبتلى فنصبر و نُجزى، ليس هناك أقسى من وجع فقد حبيب كنت تراه، تتحدث إليه، يستمع لك، يحمل همك، ألمك وجعٌ له ..
الرحيل النهائي عن الدنيا هو الفقد الحقيقي الذي لا ينسى وجعه، ينتزع من أعماقك الآه، تود لو تغمض عينيك لتهرب إلى حلم اللقاء ..
فقد يشحذ فيك دقة سمعك حتى يُخيل إليك أنك تسمع صوته، وتتجمد لتتحقق من قرب خطواته منك تلتفت للخلف فلا تجد إلى وهم وخيال ..
فينا من لا يستطيع تجاوز الفقد فينكفئ ويتغذى الهم والحزن على ما تبقى من قدرته على التعايش ثم ينهار ..
وفينا من ينصرف بعد برهة للحياة ويترك ألمه للأيام فلا ينسى ولكنه يتناسى ليحيى ..
الفقد موجع جدا ، بل أنه يقتات على سعادة الفاقد وفرحه إذ يفتت الأكباد، وتتفطر منه القلوب، وتذبل القسمات، ويختفي بريق العيون، وتكتسي الوجوه بالشحوب ..
الفقد ( قد ) يصنع منك شخصا آخر وهذا يتوقف على كيفية تعايشك معه، فإما أن يقتلك ويتركك بقايا إنسان، وإما أن تقفز على أحزانك وآلامك وترتقي بروحك للأسمى وتجعل من ذكرياتك مع فقيدك امتدادا لما كان عليه، تغرس الحب في القلوب وتمد حبال الود و الوفاء كما كان يصنع لكل شيء كان يحبه ويألفه ..
نفقد أحبابا، ونفقد أصدقاءً، ونفقد أشياءً حتى أننا نفقد أيامنا وتفاصيلها ونعتاد الرتابة والروتين حد الملل، وقد نفقد أنفسنا أيضا حين تتوارى خلف أحزانها فلا تتلذذ بعيش ولا تعيش أمل ..
ألم الفقد موجع ولكن هي الحياة يوم لك، ويوم عليك، ولابد أن تتخطى هذا الشعور السيء وترضى بما كتب الله لك، وتعيد لنفسك شغفها لما كانت عليه قبل الفقد ..
هناك من يقول (إن لم تجد ما تحب فأحبب ما وجدت) وهذه قاعدة جميلة جدا للتعايش مع ألم الفقد، أعلم جيدا أن ليس هناك تعويضا قد يملأ فراغ أحد أو شيئا فقدته، ولكن لديك ما يمكنه أن يخفف عنك شدة وطأة الحزن والفقد، فابذل الحب لمن هم في محيطك، وحاول أن تتخلص من وجع قد يستوطن كل خلاياك.
كتبه/ أ.جواهر محمد الخثلان