حين يتميز أي مسؤول في آداء مهامّه الوطنية فهذا دليلٌ على أن حكومتنا الرشيدة تسعى لاختيار المسؤول الأكفأ لتطوير الحاضر واستشراف المستقبل، وهناك قياداتٌ وطنية ناجحة أُوْكل إليها تولي مسؤولياتٍ هامّة بالدولة، فخلدتهم إنجازاتهم القيادية والإدارية ولهم بصمات يصعب تجاهلها، ومن المسؤولين الذين تألقوا في مسؤولياتهم معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى الذي تولى عدة مسؤوليات كان أبرز محطاتها وزارة العدل التي قادها باقتدار كمنظومة كبيرة إضافة إلى مهمة موازية كُبرى وهي تطوير القضاء بالمملكة وفي مقدمة ذلك الموارد البشرية، وصياغة إستراتيجيات عدليّة فاعلة، وقد لاحظ الجميع التحسّن الإيجابي والنقلة النوعية بالوزارة وليس أقلَّها هندسة الإجراءات والنظم الإدارية القديمة وتوظيف التقنية الحديثة لجعلها أدواتٍ للنجاح في أعمال الوزارة والمؤسسات القضائية والعدلية، إضافة إلى انتهاجه لمواقف صارمة ضد من يتساهل في أوقات العمل أو يتهاون في إنجاز كافة الأعمال، وهناك إنجازات أخرى للمجلس الأعلى للقضاء التي قادها بنجاح، وكان ذلك ضمن مشروع تطويرٍ شامل نهض به الشيخ سابقاً بكل إتقان من خلال مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، وقد أجاد في ذلك وشهد له الكثير من داخل المملكة وخارجها فجزاه الله خير الجزاء.
والنجاح غير مستغرب من أي مسؤول مقارنة بحجم الثقة التي وُضعت بشخصه، وهاهو الآن يقود رابطة العالم الإسلامي بمفهوم العصر ومتطلبات المرحلة الصعبة وقد شاهدناه في بروكسل مؤخراً وهو يضع النقاط على الحروف فيما يعود بالنفع على الجاليات الإسلامية بالغرب وبحظور عدد من ممثلي الأديان والصحافة الغربية، وقد بين معاليه للمسلمين هناك أهمية احترام قوانين ودساتير وثقافة تلك الدول بما لا يتعارض مع معتقدهم الإسلامي، مع أن بإمكانهم المطالبة بحقوقهم بحسب الممكن في قوانين تلك البلدان، وبين لهم أن احترام تلك القوانين هو من الحكمة وحُسْن التصرّف، وعكس ذلك يسئ للمسلمين ولسمعة دينهم، وحقيقةً أن هذا الكلام الذي جاء من أرفع مسؤول في الرابطة ينُمّ عن إدراك مُتقدّم لكل الظروف الدولية والمتغيرات المختلفة، بل لقد بدا وكأنه يحذر من عواقبَ محتملة لأيّ تصرفات باسم الدين وهو براء منها، كما يدل على فهم حقيقي لمصالح المسلمين المقيمين في دولٍ ليست بإسلامية، وبشكل عام فإن هذا التوجه الجريء ينسجم مع سماحة الإسلام الذي يحفظ كرامة وسلامة أتباعه، كما أن هذا الخطاب الذي وجهه معالي الشيخ للمسلمين في دول الغرب يعتبر دعوةً صادقة للسّلْم المجتمعيّ العالمي المشترك، وهو كذلك إثبات بأن شريعتنا تدعو أتباعها إلى احترام العهود والمواثيق مع الدول التي استقبلت بعضهم للعيش على أراضيها وتحت حمايتها ومنحتهم حق الاستفادة من خيراتها. وفي المقابل فإن هناك من يسْعَون إلى ترويج الشائعات التي تقول: إن أمين الرابطة دعى في ذلك اللقاء إلى التساهل في أمر الحجاب. وهذا هراء واصطياد في الماء العكر، وهو قول لا يستقيم مع وضوح التعاليم التي يعرفها المبتدؤون بالدراسة بكليات الشريعة فكيف بمن شابت رؤوسهم في البحوث والدراسات وقيادة العمل الإسلامي وخدمة المسلمين، وكيف بمن يتولى مسؤولية إسلامية كرابطة العالم الإسلامي ويفهم جيداً ماذا يعنيه خروج أقليات إسلامية على انظمة وشرائع دول غربية كبيرة لها حضاراتها ودياناتها وثقافاتها ودساتيرها التاريخية، وليس من حق أي أمة أخرى المساس بها أو الإخلال بأنظمتها.
إن أي مسؤول يفهم إستراتيجيات ومهام وتوجّهات بلاده السياسية ويدرك أبعاد أي مسؤولية يُكلَّف بها ويعي ظروف العالم الجارية ويستشرف المستقبل جيداً لن يحتار في تحديد اتجاه البوصلة لكي يقوم بمهامّه القيادية الشرعية والوطنية والإنسانية على أكمل وجه ودون توجيه من أحد، وهذه أحدى الإشكاليات التي تعاني منها بعض الحكومات في منطقتنا حينما لا يفهم بعض مسؤوليها كافة الأبعاد وليس لديهم الحد الأدنى من الثقة وبعد النظر وربما الخبرة، والعكس صحيح فهناك قيادات خلاَّقة وشجاعة ومتسلحة بكل متطلبات المهنة، ومن هنا أتمنى من الشباب استماع مقطع الفيديو الذي يحتوي حديث معالي أمين رابطة العالم الإسلامي ففيه بلاغة وإيجاز وثقة لإيصال الرسالة للجاليات وإيضاحُ سماحة الإسلام وشمولية رعايته واهتمامه بالجميع، وفيه إظهارٌ لجوهر الإسلام العظيم الذي يحترم المخلوقات كافة فما بالك بالبشر، وكم أتمنى ـ جدلاً ـ أن يتمكّن معالي الشيخ فيقولَ مثل هذا الكلام المسؤول في برلمان الاتحاد الأوروبي والكونجرس الأمريكي، ومجلس الدوما الروسي والشعب الصيني! فالحق أبلج ورسالتنا عالمية وأمين عام الرابطة قال الحق الذي لن يتمكن أحد من إثبات عدم موضوعيته؛ انطلاقاً من قوانين ودساتير تلك الدول غير الإسلامية.
فإلى متى وبعض المسلمين يفتعلون المشاكل لأجيالهم ويضعون الكراهية عقبةً في طريقهم وفي طريق قبول الآخرين لديننا والدخول فيه.
هل هذا الكلام مديح لمسؤول؟ كلا.. بل هو شرح للواقع ومساهمةٌ في دحض أصحاب الشائعات والأجندات التي تهدف إلى التوتير والتصادم بين افراد مسلمين يشكِّلون الأقلية في بلدان كبرى استقبلتهم رأفةً بهم وأعطتهم الأمان وحرية العبادة حتى داخل مؤسساتها بما لا يتعارض مع قوانينها.
أما اللذين يلمزون من زاوية الحجاب فقد أوضحَت الرابطة بما فيه الكفاية لمن رغب معرفة الحقيقة مع أن أصحاب الأجندات سيخترعون أي خلاف في هذا الموضوع أو غيره سواء القى الشيخ هذا البيان الأهم في تاريخ المنظمات والهيئات الاسلامية ام لا.
13/05/2017 4:34 م
الشيخ العيسى .. أنموذجاً للقيادة
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/6346996.htm