الصورة الذهنية عن السفير أنه انسان جاء اختياره كأفضل مواطن مؤهل ليمثل بلاده وسياساتها وشعبها لدى الدول الصديقة الأخرى. وأنه شخص على درجة عالية من الذكاء. ويتصف بالحنكة والقوة والحكمة. ولديه ثقافة واسعة. وملم بالسياسة والدبلوماسية وفنونها. وذو مصداقية عالية. ويفهم أدق التفاصيل عن بلاده وتوجهاتها ودستورها. وقادر على تمثيل بلاده بكل نجاح. ويتفانى لخدمة جاليات بلاده وتقديم اقصى ما يمكن لهم من خدمة ورعاية نيابة عن قائد البلاد.
وبشكل عام فإن المواطن العربي العادي ربما لم يتعرض خارج بلاده للإحتقار والتجاهل أكثر مما وجد من فخامة سفير بلاده وملحقياته الأخرى حتى وإن كان ذلك السفير في البلد العربي القريب المجاور. وفي المقابل نجد أغلب سفراء الدول الغير عربية مثالاً جميلاً من حيث الاهتمام بمواطنيهم وتجاه حمل رسائل حكوماتهم وشعوبهم ونقل ثقافاتهم وتنفيذ اعمال رائعة دبلوماسية وثقافية واجتماعية وفكرية وغيرها.
والملحقيات التابعة للسفير تصبح أحياناً أهم من السفير والسفارة بحسب المواقف واهتمام المواطن، وعلى جانب خدمة المواطنين المغتربين اخبرني طالب سابق أبتعث لدراسة الطب بالولايات المتحدة وقال أنه سافر مراراً عبر الجو مابين ولايته والعاصمة واشنطن لعشر ساعات طيران ذهاباً وإياباً لينهي اجراءت ادارية بسيطة جداً وروتينية تتعلق بدراسته لكن تأخيرها الغير مبرر سيؤثر عليه مع انه يتواصل مع الملحقية الكترونياً وصوتياً دون فائده، وبمجرد وقوفه شخصياً لأكثر من مرة في الملحقية ومقابلة السيدة الموظفة العربية الغير سعودية وإشعارها بعد عدة دقائق من الإستلطاف والإستضعاف والإستعطاف بأنه مُصر على متابعة اجراءاته المتعثرة بنفسه ولو تطلب الأمر فسينام في أحد ممرات الملحقية لعدة أيام، والنتيجة بحسب كلامه ماهي إلا ساعة أو أقل وبيده الاوراق ممهورة بالختم، وفي إحد المرات قابله سعادة الملحق بابتسامة عريضة ومعها نحن هنا يابُني لخدمتكم!، هذا الطالب المبتعث السابق قبل اكثر من ٣ سنوات والموظف حالياً بالرياض عنوانه وهاتفه متوفرة وربما يوجد غيره الكثير.
وهذا لا ينفي ابداً وجود نماذج مُشرفة للسفرء على كل المستويات وبأكثر من تقديم الخدمات والرعاية لمواطنيهم بمستوى عادل الجبير وغازي القصيبي وبندر بن سلطان وعلي عواض عسيري وغيرهم الكثير، وهناك سفراء رائعين حاليين منخرطين بكل شجاعة وإخلاص وتمثيل مُشرف كمحمد آل جابر وضياء الدين بامخرمة وخالد بن سلمان وثامر الصباح.
والحقيقة أن سفراء ثورة إيران الإرهابية في عواصم العالم ومثلهم سفراء اسرائيل ينفذون اعمالاً تتجاوز الدبلوماسية الى اعمال وطنية وقومية ناجحة ومشروعة تخدم مشاريع حكومتيهما المجرمتين على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتاريخية، مستلهمين أدوارهم الوظيفية من مسؤولياتهم الوطنية ومستشعرين انهم يعملون لحماية مصالحهم القومية وخدمة معتقداتهم الدينية الخبيثة المصطنعة وتلميع مشاريعهم الاستعمارية والارهابية. والمراقب يجد أن سفراء هاذين الكيانين لا يتوقفون عن العمل ليلاً ونهاراً ومن صفاتهم أنهم لا يتكبرون على جاليات ابناء وطنهم ولا يخلدون للراحة ولا يأبهون بخدمة الأصدقاء من غير أبناء وبنات اوطانهم لمجرد علاقات عامة بلا فائدة لأوطانهم، ولا يوظفون بسفاراتهم نساء ورجال أجانب للعمل في عمق العمل الإداري وجميعه سرِّي بسفاراتهم منعاً للإستغلال والاختراق والفساد، ويسعى بلا كلل هاذين السفيرين الإسرائيلي والإيراني اينما وجدا الى التعاون المباشر مع أي مؤسسة علمية وثقافية وبحثية وإعلامية وأمنية وتِقنية ومع أي مؤسسة أخرى أهلية مهما كان مستواها فيقيمون بها المحاضرات واللقاءات والندوات وورش العمل المختلفة التي تمثل سياسات طهران الملالية وتل أبيب الصهيونية ويرفعون بموجبها ادق التقارير وأروعها لقادتهم، ويحاولون بناء العلاقات الجيدة مع هذه الجهات لبناء جسور العلاقات المتينة مع ادوات ومحركات المجتمع والدولة وينجحون في ذلك ببراعة!.
ولا يمكن مقارنة نشاط وتمثيل وأهداف السفير الايراني والاسرائيلي بالسفير العربي! ولكن وجه المقارنة أو المقاربة هنا تكمن في اختلاف المعايير والقدرات والمستوى الشخصي للسفير و”الهَمَّ” الذي يحمله الصهيوني والصفوي مع الهمة العالية والاستماتة لتحقيق اهداف بلادهما الوطنية، ومن هنا يمكننا معرفة ما يُرى من فخامة السفير العربي في المُجمل، فهو غالباً كائن وديع، هادىء وفارغ من أي رؤية، لا يهش ولا ينش، وتقتصر اغلب اعماله اليومية على قراءة الرسائل والخطابات الواردة ومن ثم الرد عليها، ويبذل وقت طويل في التعديل والتصحيح لمسودات خطابات الإستفسارات التي لا تنتهي حيث يطلب فخامته التوجيه لأتفه الأمور من وزارة خارجيته وكأنه لا يفهم بلاده ولم يستوعب مهمته، ولا يفهم أن الدولة التي يوجد بها تُقيمه بدقة وتعلم عنه مالا تعلم بلاده!.
وفخامة سفيرنا العربي الوديع تكمن سعادته في نجاح استقباله وضيافته وتوديعه لأي وفد رسمي زائر من بلاده وغيرها والحصول على الثناء ازاء هذا الجهد. والمشكلة ان السفير العربي يتم في الغالب تعيينه بأشكال ومعايير لا تجدها في دول الكوكب الأخرى، فهو لا بد ان يكون إبن لوزراته ومرضِي عنه بأهم مكاتب المستوى المتوسط بهذه الوزارة العربية المُثقلة بالموظفين العاجزين عن الإنتاجية الحقيقية، ولايهم إن كان غير مناسب كسفير أو غير لائق أو ضعيف شخصية فالمهم ان يكون إنقيادي لا قيادي ومُطيع ومهذب مع ادارته ومن هنا يستاهل تعيينه ثم بقاءه كسفير إن أمكن مدى الحياة.
هنا موقف طريف ومؤلم وقد يكون فيه عبرة أو حتى حجة ضد من سيغضبه هذا المقال، ففي عام ٢٠١٢م كنّا مجموعة مبتعثين في دورة متقدمة جداً بإحدى الدول العربية ذات التدريب المتقدم ذو المعايير العالية، فطلبت كلية الدفاع الوطني هناك توفير العلم السعودي الخالد من السفارة أو عن طريقها ليتم رفعه على تلك السارية العالية بدلاً عن العلم الذي بدأ ممزق الأطراف، وقال ذلك المسؤول الشهم انظر الى مجموعة الرايات امامك بالساحة بعضها شبه تالف لكن مسؤوليتها تقع على سفراء وممثلي بلدانها الذين يأتون هنا ويشاهدونها بأعينهم، لكن السعودية وعلمها الخالد يعني لنا الكثير. لم اتردد في الاستجابة مسروراً ومُتشرفاً بهذا الطلب، ذهبت للسفارة بنفس اليوم في الساعة الواحدة ظهراً ولم أجد أي تجاوب، فطلبت مقابلة السفير أو تمكيني من الإتصال به لطلب توفير العلم القضية!، فتحايل موظف لا زلت اعرف اسمه الاول والأخير وقال إن السفير مشغول جدا بمناسبات مختلفة مع انني لم احدد الوقت لمقابلته. تركت السفير وذهبت للملحقيتين التعليمية والعسكرية فعدت بخفي حنين مع انني اقترحت عليهما توفير المطلوب من الرياض ولا بأس سننتظر لأيام. شعرت حينها بالحرج والتأخير، فلجأت من خلال الإتصال الهاتفي المباشر بالقوات الجوية الملكية السعودية الجسورة وتحديداً بقاعدة الملك عبدالله الجوية التي كان قائدها انذاك سمو الأمير اللواء منصور بن بندر بن عبدالعزيز وشرحت الموقف، وماهي إلا سويعات فقط وبنفس يوم الإتصال حتى جاء الخفَّاق الأخضر العربي السعودي العظيم على متن أول طيران غير سعودي من جده. هذا الموقف يعرفه الزملاء ويتذكرونه، ويتذكرون ايضاً مواقف أخرى غير جيدة. فهل القصد من إيراد هذا الموقف وما قبله التشهير بأحد؟ كلا…وكيف لو كان الطلب حينها خاص وليس لتوفير العلم الوطني أو إرسال ايميل من الملحقية للطالب المبتعث!…
بعض السفراء ورؤساء الملحقيات العرب نقطة ضعف لبلدانهم ومعيقين لتنميتها ولا يليقون بها وبشعوبها.
هذا فقط بعض لأوجه ماضية ومنها يجب استخلاص الدروس، خصوصاً ونحن في عهد الملك سلمان وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله ونصرهما، هذا العهد الزاهر الذي يُضرب فيه الفساد بشتى انواعه وبلا هوادة. وبلا أدنى شك سيكون السفير وملحقياته قريباً مختلفين وبمواصفات عالية ومختلفة للأفضل بعون الله وتوفيقه ثم بإرادة قيادتنا الرشيدة وبتنفيذ وزارتنا الفتية بشكل يوازي نهضتنا الوطنية الشاملة، ومقتنع جداً بأن اشقاءنا العرب سيتأثر معيار تعيين سفراءهم ايجاباً فنحن بالمملكة من يراهم الأشقاء نبراسا وقدوة لكل نجاح وتطوير وتحديث. ومن يرى بعض سفراء الشرعية اليمنية ولديه حس مُعين فسيجد انهم يعملون للحوثي وليس لغيره. وهناك سفراء لدول عربية مختلفة تعيينهم مُعيب ولا يليق بمستوى اوطانهم. العدو افضل في اختيار ثم تأهيل ثم تعيين سفراءه ثم تقييم اداءهم ومحاسبتهم، فهل يُحاكي العرب عدوهم على الأقل في هذا الجانب؟!.