المملكة العربية السعودية مقصد مئات الآلاف من الوافدين إليها لغرض العمل بها؛ وذلك للنهضة الكبيرة وخطط التنمية الطموحة في شتى مجالات الحياة؛ الأمر الذي جعل الكثيرين ممن وفد إلى السعودية لا يغادرونها سنوات عديدة لغرض الكسب والعمل، ولكنهم كذلك لم يعملوا على جعل إقامتهم نظامية داخل السعودية؛ فمنهم من هرب من عمله، وأصبح يعمل خارج النظام، ومنهم من لم يقم بتجديد إقامته، ومنهم من كان ممن تخلف عن سفر كان القصد منه الحج أو العمرة أو زيارة قريب، ثم طاب له المقام بطريقة غير نظامية.
ثم جاءت موافقة خادم الحرمين الشريفين على تمديد مهلة تصحيح أوضاع المخالفين لنظام الإقامة بالسعودية؛ لتعطي فرصة أخرى للمستفيدين من هذا الأمر، في بادرة إنسانية قلّ أن تجدها في بلد آخر، فرغم الأعداد الهائلة التي كشفت حجم المخالفات إلا أن ذلك لم يجعل القيادة الحكيمة الرحيمة تضغط في اتجاه ترحيل أولئك المخالفين، بل جندت أجهزتها المختصة للعمل ليلاً ونهاراً لتذليل العقبات، وإتاحة الفرصة لتصحيح أوضاعهم، علماً بأن الفرص كانت موجودة من قبل، وحين رأت الجهات المختصة بوزارة الداخلية ووزارة العمل تلك الجموع الغفيرة من راغبي الاستفادة من المهلة التي أوشكت على النفاد بادرت بالرفع إلى خادم الحرمين الشريفين للنظر في تمديد المهلة التي أوشكت على النفاد؛ فصدر التوجيه الكريم بتمديد المهلة إلى نهاية العام الهجري الجاري.
إن جميع الدول تطبق قوانين الإقامة والهجرة والعمل بصرامة، دون النظر إلى الآثار السلبية على المخالفين، ولا تستثني أحداً مهما كانت ظروفه، على اعتبار أنه مخالف يجب معاقبته، دون مكافأته، إلا أن مملكة الإنسانية أعطت مثالاً لا يمكن لأي بلد أن يجاريها فيه.
لقد نظر ولاة الأمر إلى الضرر الذي سيلحق بهؤلاء المخالفين، ولحظت التدافع حول المقار الحكومية المعنية، والسفارات، والرغبة في البقاء بهذه البلدة الطيبة بصورة نظامية؛ فاتخذ خادم الحرمين الشريفين هذا القرار الإنساني؛ ليضاف إلى المواقف النبيلة للمملكة العربية السعودية. ولا يساورني شك أن هؤلاء قد وجدوا فرصة الكسب، ولولا ذلك لما رأينا هذه الآلاف من الوافدين يتزاحمون منذ ساعات الفجر الأولى حول المقار الحكومية؛ ليتمكنوا من تصحيح أوضاعهم، وليضمنوا بقاءهم بالسعودية. إن قرار تمديد مهلة تصحيح أوضاع الوافدين هو قرار يحمل في مضمونه بُعداً إنسانياً، تميزت به بلاد الحرمين دون سائر الدول.
ومع كل ذلك التيسير فإن ما يثير انتباهي وبشكل لافت تأخر كثير من الناس عن إنجاز معاملاتهم، بل ينتظرون أواخر الأوقات فيتسارعون ويتسابقون، ويرهقون أنفسهم وغيرهم، ويشكون ويتذمرون، ويبحثون عن شفاعة أو واسطة لاغتنام أوقات أضاعوها بمحض إرادتهم، وقد يتهمون الجهات المسؤولة بعدم التيسير عليهم، ووضع العراقيل أمامهم، وينسون أنهم سبب الإرباك الذي هم فيه، وكأنهم لم يسمعوا أو يفهموا معنى المثل القائل (الصيف ضيعت اللبن).