الخيال مجال إفتراضي غير محدود تسبح فيه الارواح والعقول فيولد ذلك شعور ايجابي او سلبي لكنه مؤقت في الحالتين...
تخيل أنك ببستان كبير به انواع الأشجار والثمار وتجري بجداوله المياه ، والطيور تغرد والهواء العليل ينساب من كل جهة وبين يديك مال كثير،لكن اسوار البستان عالية ومحكمة وابوابه مغلقة وحريتك مقيدة ومحكوم عليك بالبقاء داخله بقية حياتك! بينما أذنيك تسمع اصوات وضحكات الفقراء الذين يستظلون بجدار بستانك الخارجي ولا يفصلك عنهم الا هذا الجدار لكنهم طلقاء بلا قيود.. تخيل انك ببستان سجنك هذا بدون تواصل مع أحد ولا تستطيع الخروج للحظة واحدة لترى كيف يعيش هؤلاء الفقراء المجاورين لك حياتهم العادية وحريتهم التي لا يمتلكون سواها!!، تخيل كيف هي مشاعرك واحاسيسك ومجالات تفكيرك وأنت بداخل هذا البستان الجميل ولكنك بلا حرية بقية عمرك!.
تخيل انك في سجن انفرادي حقيقي ومحكوم عليك بالموت وعيناك تراقب خطوات السجان وماذا قد يحمله لك من خبر سيجعلك لا تستطيع ان تقول بعده شيئا وتنهار قواك لسماعه فلا تستطيع الوقوف على قدميك!.. تخيل وأنت ترى في منامك كوابيس النهاية والمشهد الأخير وعذاب الموت قبل أن تساق اليه!..
تخيل أنك تركب قاربا بحريا مع مجموعة لاجئين طلبا لحياة أفضل في مكان آخر وفجأة وبمنتصف الليل ينقلب القارب فيسقط طفلك من بين يديك في ظلمات البحر وتجد نفسك وحيدا تصارع الأمواج وتدخل المياه المالحة الى جوفك وترى الموت يأتيك من كل جانب فتفقد السيطرة على تفكيرك ويغيب عنك الأمل فتموت بطيئاً بعذابات البحر واهواله..
تخيل أنك من سكان حي الوعر بحمص والقنابل تنهمر عليك في كل حين فيموت كل من حولك وتبقى انت بلا قدمين وتفقد البصر بفعل قنابل النابالم ولا تستطيع عمل أي شيء عدا انتظار النهاية المؤلمة!!..
تخيل أن طبيبا وصف لك حقنة علاج فيخطئ الممرض والنتيجة شلل كامل يقعدك عن حياتك الطبيعية!.. تخيل في أقل من لحظة وإذا بك تحتاج لكرسي متحرك وشخص يساعدك على منع ذبابة من حول العين ويحمل يدك ليضعها في حجرك!..
تخيل أنك في مدينة حلب وقد هلك اطفالك ووالديك وزوجتك على اثر برميل متفجر القته إحدى مروحيات الطغيان ثم تلجأ الى ركن مسجد صغير مهجور تم تدميره سابقا ولكن هناك من أخبر عنك كمقاوم فتأتي القاصفات الروسية من الجو وتقصف مكانك فتصاب وتنجو من الموت وبعد قليل يأتي اليك عناصر الصفويين فيأسرونك ثم يسلمونك الى فرقة التعذيب البطيء والموت أهون مما يفعلون!!.
تخيل ماذا ستفعل وأنت تمتلك أطنان من الذهب لكنك ستموت بعد سويعات... تخيل لحظات النهاية وأنت تسمع بكاء اطفالك وتفهم كلامهم لكنك لا تستطيع وداعهم وقلبك يتوقف تدريجيا نحو التوقف الأخير.
تجاهل كل ما سبق ثم تخيل كيف هي سعادتك وروعة حياتك وسلامة صحتك وديمومة ابتسامتك وأنت بلا عداوات مع أحد ولا تحمل بقلبك سوء أو ضغينة لبشر، ثم تخيل كيف ترى الناس وكيف يرونك اذا افتقدت في واقع حياتك لهذا التخيل الأخير.
هل تخيلت ما هو افضل أو أسوأ من هذه التخيلات؟.
لا بد أن تتخيل بطريقتك وبحسب مقدرتك فلسنا أفضل من غيرنا وغيرنا ليسوا الا بشر مثلنا !ولكنها اقدار الله ومشيئته وايامه التي يداولها بين الناس.
اللواء طيار ركن (م) عبدالله غانم القحطاني
(حديث السحر) تخيل لوحدك
14/06/2016 3:27 ص
4
45794
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6279278.htm
التعليقات 4
4 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
العقد الفريد
14/06/2016 في 4:49 ص[3] رابط التعليق
لنا ياابا منصور ان نتخيل الى ابعد حدود الخيال وبلا قيود
ولكن يبقى لنا قدرنا المحتوم
موضوع رائع بروعة ماتعودناه منك
وفقك الله ودمت سالما وننتظر من ابداعاتك المزيد
(0)
(0)
مساعد آل غراب
14/06/2016 في 5:16 ص[3] رابط التعليق
تخيلت كاتب المقال فعلمت أنه رجل يستحق اﻹجلال والتقدير على خياله الواسع والذي يلامس جرح بل جروح إخوانه العرب والمسلمين ..
أقدر تلك المقالات وصاحبها الرائع بصياغته للمقال وأسلوبه الأروع في السرد وترابط الموضوع وسلامته اللغوية .. لك كاتبنا العزيز والقراء فائق الاحترام والتقدير. ..
(0)
(0)
ابوحمود
14/06/2016 في 1:49 م[3] رابط التعليق
نحمد الله على واقعنا وتقلبنا في نعمه التي لاتعد ولاتحصى .. فعلاً ابا منصور نحتاج ان نتخيل بعض من هذه الصور لكي نعلم كم نحن سعداء فنشكر الله على ذلك .. موضوع رائع كروعة كاتبه ..
(0)
(0)
السقف البعيد
16/06/2016 في 12:17 ص[3] رابط التعليق
رغم ما يحتويه الموضوع من إيحاءات مخيفه تدعو الى ضبط النفس والنظر بعين البصيره الى ماحولنا من اهوال وما يحدث لطالبي القليل من كريم العيش من مآس الا ان الكاتب أفاض على الموضوع كثيراً وعنون له بخلاف المعهود قد يستشف من بين السطور المغزى والله من وراء القصد
(0)
(0)