لكل منا بيئة مختلفة نشأ وترعرع فيها حتى وإن تشابهتْ في بعض الجوانب إلا أنها تختلف في جوانب أخرى .
ومن المسلمات أن الإنسان منذ ولادته ليس له خيارات في اختيار الدين أو اللون أو الجنس أو العائلة أو القبيلة أو الوطن ولا حتى اسمه ، فالإنسان يولد على الفطرة.
ومعنى الفطرة هي الابتداء، وفطر الله الخلق؛ أي: بدأهم، ويقال: أنا فطرت الشيء أي: أول من ابتدأه.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟)).
وقال الله تعالى:( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).سورة الروم آية (30).
أنت ابن بيئتك !!
منذ طفولتك ونعومة أظافرك وأنت تقتبس من بيئتك كل ما تراه وتسمعه سواء أكان خيراً أوشرًّا. تحاول الاستقلالية بشخصيتك والانفراد برأيك. تقاوم في أحيان كثيرة بعض السلوكيات التي ترفضها ولا تحبها. تدافع وبشدة عن بعض قناعاتك وأفكارك وقيمك ومبادئك لأنها تمثل شخصيتك التي ترى أن من حقها أن تحب وتكره ، وتقبل وترفض ، دون أن تقيدها أطراف أو رغبات أخرى تعيش تحت تأثير تلك البيئة التي لم تكن من خياراتك لكنك وجدت نفسك فيها وتحيا بها.
هذه بيئتك التي اكتسبت منها بعضاً من طباعك وشيئاً من أخلاقك وصفاتك، هذه البيئة التي تعلمت منها وأصبحتْ جزءًا من سلوكك.
و المجتمع يضجُّ بتلك النماذج والعديد من تلك الصور وتأثير البيئة على شخصية الإنسان وسلوكه وأخلاقه، فحين ينشأ الإنسان في بيئة تتحلى بالأخلاق الكريمة والتسامح وطيبة القلب فإنّه يكتسب منها ذلك وتصبح جزءًا من شخصيته. والعكس تماماً إذا نشأ الإنسان في بيئة سيئة الخلق لا تعرف التسامح وتتعامل بفظاظة وغلظة فإنّه يكتسب ويتعلم منها ذلك الخلق.
حين ينشأ الإنسان وسط بيئة حاقدة حاسدةٍ ناقمةٍ على المجتمع والناس تكره لهم الخير وتتمنى زوال نعمة الغير، وتكيد وتسعى لمضرة الآخرين فإنّه حتماً سيتأثر بتلك الأخلاق وتنمو مع الزمن لتصبح جزءًا لا يتجزأ من شخصيته. والإنسان الذي يتربّى على عدم الرضا والقناعة والنظر لما في أيدي الناس لايعرف شكرالله ولاحمده ولايقدر قيمة النعم التي بين يديه ويرى أنّ من حقه أن يأخذ ماعند الغيرويشاركهم فيه فهذا نتاج لتربية خاطئة.
الإنسان ابن بيئته إذا تربّى على الاحترام والنظام والانضباط وحب العلم والالتزام بتعاليم الدين السمحة حتماً سيتأثر بذلك وستمثل جزءًا كبيراً من شخصيّته. البيئة التي تربّي أبناءها على الأنانية وحب الذات المرضي وليس الصحي؛ أهم شيء نفسه ورغباته وحاجاته ولايكترث أبداً بالآخرين وأوجاعهم ؛ هو نتاج لبيئة أنانية أفرطتْ في جانب حساس من جوانب التربية هو الإيثار والتضحية وحب الخير للآخرين.
البيئة التي تربّي أبناءها على التعالي والكبر وتنمّي فيهم النعرات القبلية ؛ أنت فلان وابن فلان وفلان أقل منك شأنًا وأنت أفضل وينشأ كما قيل بالمثل العامي (مافي البلد إلا ها الولد) يحتقر هذا ويتعالى على ذاك! ماذا ينتظر المجتمع من شخصية كتلك ؟غير النرجسية وانعدام الشعور والإحساس.
والأمثلة والصور كثيرة لشخصيات مشوّهة من الداخل لأنها كانت نتاج بيئة لم تمنحهم الدفء ولا الحنان ولم تعلمهم الرحمة والشفقة ولم تربّهم على حب الخير والإيثار والتضحية ولم تكن قدوة بأخلاقها وسلوكها فأخرجت للمجتمع شخصيات مشوّهة من الداخل مهما مُنِحتْ من الشهادات وتقلّدتْ من المناصب ، فهي لن تستطيع التخلص من تلك التشوّهات الداخلية.
وصدق الشاعر معروف الرصافي حين قال:
لأخلاقِ الصبيِّ بكِ انعكاسٌ
كما انعكسَ الخَيالُ على المِرَاْةِ
****
وما ضَرَبانُ قلبكِ غَيرُ درسٍ
لتَلقِينِ الخِصالِ الفاضلاتِ
التعليقات 14
14 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
سفانه
12/12/2017 في 12:15 م[3] رابط التعليق
مقال رائع لافض لك فوهاً ولاكسرلك قلماً
(0)
(0)
نوره مشرف
12/12/2017 في 12:23 م[3] رابط التعليق
كلام من ذهب تسلم اناملك استاذه فاطمه وكثرمن امثالك
(0)
(0)
غلاووي
12/12/2017 في 12:31 م[3] رابط التعليق
أسعدك الله استاذه فاطمه كما تسعدين قلوبنا وتنعشين أرواحنا بمقالاتك الرائعه التي تخطها أناملك الذهبية
استمري فنبض قلمك ينعشنا
(0)
(0)
ام بدر
12/12/2017 في 1:37 م[3] رابط التعليق
مقال رائع جدا سلمت اناملك استاذة فاطمة
(0)
(0)
ام عمر القحطاني
12/12/2017 في 1:38 م[3] رابط التعليق
سلمت يداك وجعلنا الله وابنائنا هداة مهتدين
(0)
(0)
الأستاذة عنود
12/12/2017 في 2:05 م[3] رابط التعليق
جميل بجمال من كتبته رعاك الله
(0)
(0)
هند العيد
12/12/2017 في 4:36 م[3] رابط التعليق
رائع أ. فاطمه
موضوع جميل وطرح أجمل
(0)
(0)
ام ماجد
12/12/2017 في 5:56 م[3] رابط التعليق
بارك الله بقوللك وعمللك الطيب وجزاك الله كل الخير عنا وربي يحفظك ويسدد خطاك الي مايحبه وبرضاه دوما باذن الله
(0)
(0)
أحلام الياسمين
12/12/2017 في 6:11 م[3] رابط التعليق
رائعه بمعنى الكلمه
(0)
(0)
أمل خليفة
12/12/2017 في 7:07 م[3] رابط التعليق
مرحباً بوضوح الأفكار وجمال العرض، اتفق معك أستاذة فاطمة في فكرتك ،لا حرمنا الله قلمك وإبداعك ولا حرمك الله أجر استمتاعنا
(0)
(0)
شيخة العتيبي
12/12/2017 في 8:44 م[3] رابط التعليق
احسنت اختيار الموضوع والطرح
غير أنني ارى ان النار تخلف رمادا وأيضا قد يكون تحت الرماد شررا يحرق مدينة
فلا نعول السبب في تدني بعض أخلاق البشر على بيئتهم الأسرية فقط وإنما هناك عوامل كثيرة
من ضمنها الأسرة وأيضا الاستعداد النفسي في الفرد ألا ترين أن الأخوة يختلفون في الطباع والصفات والشخصيات رغم أن بيئتهم واحدة
(إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
وكل ميسر لما خلق له
الموضوع كبير ويحتاج إلى التطرق لجميع الجوانب المؤثرة في شخصيات الفرد دون أن نحمل جهة واحدة مسؤولية إخفاقه
معك ان هناك بعض السلبيات المجتمعية من بعض الأفراد التي ورثوها وتأثروا بها واعتنقوها والتي وافقت مزاجهم والتي تحتاج إلى إصلاح دون أن نحمل جهة واحدة السبب في ذلك
(وهديناه النجدين)
(0)
(0)
البتول المغربي
13/12/2017 في 2:10 ص[3] رابط التعليق
البيئة كلمة بسيطة لكن تأثيراتها بعيدة المدى …. لذلك لابد من تجهيز وإعداد بيئة صالحة خصبة مليئة بالأخلاق الإسلامية والقدوات الرائعة ….. أنت تربي وتعلم ولا تتنبأ بمن سيتعامل ابنك معه أو يخالطه .و إذا أرادنا أن نشبة البيئة الصالحة فهي مثل العطر الذي يفوح عطره وشداه إلى أبعد المسافات وأما البيئة السيئة مثل النار التي تحرق كل شيء أمامها وتدمره ويفوح أسوء الروائح منها .لذلك لابد عند تعاملنا مع أي شخص أن نضع في الإعتبار أننا نتعامل مع شخص مختلف في جميع الجوانب من حيث البيئة والمناخ وإلخ من العوامل التي تؤثر عليه ..
مقال رائع وجميل ….سلمت أناملك الرائعة والجميلة أ. فاطمة الجباري .
(0)
(0)
صوت الوطن والمواطن
14/12/2017 في 11:42 م[3] رابط التعليق
يسعدني ويشرفني أن اقرأ ما سطر على صفحة هذه الصحيفة الرائعه بقلم أختنا الفاضلة الأستاذة/ فاطمة الجباري حيث تناولت موضوع مهما في حياة الفرد والمجتمع وهو بمثابة الاساس الذي تقوم عليه الحياة ، فلكل منا مبدأ مكتسب يسير عليه منذ طفولته ثم يتدرج الإنسان في المراحل العمرية، ينتقل لمرحلة التعليم الإبتدائي والمتوسط والثانوي والجامعي وبالتأكيد هناك تغيرات حدثت اخرجته عن البيئة العائلية إنما الاساس لازال ثابت لم يتغير وذلك للعمق المتأصل في النفس أيا كان ذلك التأسيس سواء حسن او سيئ.!
ما يهمنا في هذا الجانب فطرة الاسلام والنشأة الطيبة التي تحث النشء على التلقي والإنخراط في دائرة الدين الحنيف الوسطي ، وتطبيق مفاهيمه الدينيه والخلقية والمضي قدما في كل ماهو من شأنه رفعة الدين والأخلاق،ومتى ماتوافرت هذه الصفات في الإنسان نشعر بالراحة والطمأنينة في مجتمعا وفق بين الدين وحسن الخلق والتعامل الحسن مع افراد المجتمع ، لكون البيئة مجتمعا مصغر ينشئ من خلاله المجتمعات الكبيرة …
تحياتي للجميع
(0)
(0)
سعاد العسيري
22/12/2017 في 3:04 م[3] رابط التعليق
أسعدك الله استاذه فاطمه دائماً تسعدينا بمقالاتك ومواضيعك القيمه بارك الله فيك وسدد خطاك وجعلك نبراساً يضاء به
(0)
(0)