أرواحُنا سرُّ وجودِنا في هذهِ الحياة، نتعلقُ بها لنعيشَ، وتتعلقُ بالآمالِ لتحيا حياةً هانئةً مستقرةً، نطوي أضْلاعنا على قلوبٍ مرهفةٍ تنشدُ السلامَ والسكينةَ، ولكنْ يأتيها من يطوّح بأمانِيها في الهواءِ، ويُعكر صفوَ أجْوائها بما يفتعِله من حروبٍ خاسرةٍ لكلا الطرَفين..!
قدْ نهزمُ في معركةٍ حربيةٍ، أو فكريةٍ، أو كلاميةٍ، أو منافسةٍ في أي مجالٍ كان، فتتْرك أثرَها مؤقتًا إمّا بخسارةٍ في الأرواحِ التي لا تعوّض وهذه مُصيبة لا ندرك أبعادها إلا بعد فوات الأوان ، أو ممتلكاتٍ ومُكتسبات شقِينا لنأتي بها، لكنْ أن نُهزمَ هزيمةً نفسيةً فهذهِ خسائرُها طَويلة الأمدِ، قاسِية النتائج..!
الهزيمةُ النفسيةُ أن نستستلمَ طواعيةً لما يرادُ بنا، أن لا نُقاوم، أن نتقبلَ ما يُطرح علينا، بلْ ونتبناهُ ونرعاه..! وكأنّه أصلٌ لدينا..! بينما هي دسائسُ خبّئت بعنايةٍ في قوالبٍ من الأحلامِ المدهشةِ أحيانًا، ومنَ النّصح أحَايين، ونحنُ مأخوذونَ بما يْبدو لنا، منبهرين به، تطوينا اللّيالي وتربتْ على عقُولنا لتستسلمَ في دعةٍ وسكونٍ لما نظنّ أَنّ فيه صالحنا..!
الهزيمةُ النفسيةُ.. أقسى وأخطرُ من أيّ هزيمةٍ أخرى قد تواجِهنا، إذْ حينَ نُسَلِمُ عقولنَا لأحدهِم ليعيثَ فيهِا فسادًا فيحيلُ قُوانا الإيمانية ُوثوابِتنا ومَبادئنا إلى مايشبهُ فقاعاتِ الصابونِ لا تكادُ تتضخمُ حتى تنفجرَ وتختفي..فإننا نُقِرُ بهزيمتنا أمامه، فكانَ لابدّ من مواجهةِ هذهِ الهزائم أيًّا كانَ نوعها، وذلكَ بالإيمانِ القويِّ والثابتِ بصحة ما نحنُ عليه، وامتلاكِ اليقينِ بأنّ ما كتبَ اللهُ لنَا سيصلنَا، ومالمْ يكتبْ فلنْ نطالهُ ولو جيّشنا له جيوشَ الأرضِ قاطبة ..
ثمّ إنّ من أبرزِ أسبابِ الهزيمةِ النفسيةِ: إهمالُ بناءِ الجانبِ الرُّوحي المستقيمِ الواثقِ بربهِ فالخواءُ الرُّوحي يجعلُ من الإنسانِ ضعيفًا هشًّا يحيى كقالبٍ يتقبلُ ما يسكبُ فيهِ بلا تمحيصٍ ولا تدقيقٍ..!
كما وأنّ الاستقرارَ الأُسري (( السوّي )) لهُ أكبرُ الأثرِ في إحاطَتنا بكلّ ما يمكنهُ أن يحفظَ علينَا قُوانا العقليةُ والذهنيةُ، لا سيّما وأن كلّ بيتٍ من بيوتِنا وبكلّ مرارةٍ تحتضنُ في جنباتِها أخْطر عصابةٍ لصوصيةٍ، لصُّ الأوقاتِ التي أهدرْناها في متابعةِ التافهين، ولصُّ العلاقاتِ حينَ أهملْنا أحبّتنا ووالدينا، ولصُّ الحركةِ حينَ رافقْنا الزّوايا وحُجرات المنزل، ولصُّ الأمراض التي حطّت رحَالها في عقُولنا قبلَ أجسادنا، تلكَ الأجهزةُ الصغيرةُ التي نتباهي بوجُودها بينَ أيدينا وهي تسرقُ منا كلّ جمالياتِ الصحةِ والوقتِ والعلاقات ..
الهزائمُ النفسيةُ.. لا تأتينا مباشرةً بلْ تزحفُ بهدوءٍ كثعبان صلٍّ أسودْ ينفثُ سمومهُ المدمّرة في أرواحِنا فتقتلنَا أحْياء، ونموتَ واقفينَ كباسقاتٍ قُطع عنها الماء ..
الهزائمُ النفسيةُ.. يمكنُ أن نتلافاها بلْ ونستطيعُ أن نقفَ في وجهِها وذلكَ بتطويرِ القدراتِ الشخصيةِ كالذكاءِ، والفطنةِ، وسعةِ الإطلاعِ، والدعاءِ، والإلحاحِ فيه ..
قوةُ الأرواح، وثقتُها بالله، ثمّ بذاتها، مفتاحٌ لدحرِ الهزائمِ أيًّا كانَ نوعها
بقلم: جواهر محمد الخثلان
الهَزِيمَةُ النّفْسِيّة..!
(0)(1)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6527903.htm