عندما تم توقيع ميثاق هيئة الأمم المتحدة من (٥٥) دولة في سان فرانسيسكو عام ١٩٤٥هـ، كانت أهم القيم الإنسانية التي نادى إليها هذا الميثاق هي العدل، وكان الأمن الدولي أهم أهدافه. لكن كيف نقيم ما حققته هذه المنظمة أخلاقياً اليوم؟ في أكتوبر عام (٢٠١٣م) رفضت السعودية عضوية مجلس الأمن الدولي غير الدائمة التي تم ترشيحها لها بأغلبية عظمى. كان هذا الرفض مستغرباً من كثير من الدول التي تطمح لهذه العضوية. وسبب الرفض كما عبرت عنه وزارة الخارجية السعودية آنذاك هو -بتصرف- فقدان مجلس الأمن لمساره الذي نشأ من أجله وتأثير القوى العظمى في الكثير من قراراته وفي مسار المنظمات الحقوقية واللجان المنبثقة منها وخصوصاً منظمة حقوق الإنسان التي تكيل بمكيالين.
وعندما نرى المشهد الدولي اليوم وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن أكثر من (نصف مليون) سوري فقدوا حياتهم وما يقرب من (١٢) مليون آخرين تشردوا نتيجة بطش النظام السوري ثم تلقُّف الميليشيات والفصائل متعددة الولاءات للشعب السوري يمنةً ويسرة لتحقيق أهداف سياسية أو دينية مزعومة أو لتمكين أنظمة أتت من خارج الحدود السورية مثل نظام الملالي الإيراني، ثم أتى بعد ذلك تدخل روسيا وتركيا عسكرياً، ثم أصبحت الساحة السورية ملعباً دولياً. كانت الأزمة السورية ولا تزال اليوم اختباراً حقيقياً للمنظمات الحقوقية والأمنية دولياً ولكنها فشلت في سوريا، فالدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة تحديداً لم ترَ مصلحة في التدخل لإنقاذ الشعب السوري من هذه المأساة، كما أن الصين وروسيا عارضت أي قرار بهذا الصدد!
وعلى النقيض في اليمن، نرى هذه المنظمة الدولية ومن يعمل تحت ظلها تغض الطرف عن محرقة أكثر من (٤٠٠) أفريقي تمت على أيدي الحوثيين الانقلابيين في مركز إيواء أمني بصنعاء في السابع من مارس (٢٠٢١م)، بسبب رفض هؤلاء اللاجئين للقتال في صفوف الحوثيين ضد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية. لا غرابة فقد وقفت المنظمة في وجه تحرير ميناء الحديدة الاستراتيجي من قبضة الحوثيين في اتفاق (ستوكهولم ٢٠١٨م) مما أدى إلى تمكين تهريب السلاح الإيراني للحوثيين وإطالة أمد الحرب بين طرفي المعادلة (اليمن والتحالف العربي من جهة والحوثيين المدعومين إيرانياً من الجهة الأخرى)! هذه المعادلة تخدم بشكل مباشر مصالح الدول العظمى المؤثرة في القرار الدولي والدول التي تصنع السلاح والجانب الفارسي الإيراني على حساب العرب!
والسؤال هنا يتمحور حول مصداقية منظمات حقوق الإنسان ومدى محايدتها بعيداً عن الأجندات الدولية. والأهم من ذلك السؤال عن مستقبل حقوق الإنسان في ظل هذه المنظمات المتحيزة. لا شك أن الأطراف المتنازعة لا بد أن ترتكب أخطاءً إنسانية مقصودة أو غير مقصودة. وهذه الأخطاء إن لم تجد حزماً قانونياً وأمنياً من قبل الهيئات الدولية بحياد تام، فإن ذلك يفقد الأطراف والمجتمع الدولي وشعوب العالم الثقة في عدل ونزاهة هذه المنظمات، كما أن ذلك كمن يصب الزيت على النار حتى وإن ادعى المبعوثون الدوليون حيادية التعامل وأنسنة الحقوق!
بقلم اللواء ط. ر. (م)/ عيسى بن جابر ال فايع
باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمن الدولي