١. الصراع في قلب العالم
تقع منطقة الشرق الأوسط في قلب العالم، وتتمتع بميزات استراتيجية تنفرد بها وتجعلها مكمناً لأطماع القوى الإقليمية والعالمية. ومن منظور جيوإستراتيجي نجد أن الصراع الإقليمي المستمر في المنطقة سواءً على النفوذ أو الهوية أو الموارد أو الريادة الإقليمية يكمن بين المكوّن العربي عموماً والقوى الأجنبية (الفارسية والتركية والصهيونية والغربية). ولكلٍّ من هذه القوى مشروعه ومصالحه وأدواته، ولكنها تتخادم بطريقة أو أخرى على حساب أمن وتنمية المنطقة العربية التي تشكل قلب المنطقة النابض ثقافياً وحضارياً واقتصادياً واجتماعياً. ومن منطلق مفاهيم العلاقات الدولية والأمن الدولي ولفهم حقيقة هذا الصراع في الأربعة عقود الأخيرة، نجد أن النظام الإيراني الثوري يتصدر أهم محركاته حيث يصدّر الفوضى مع الثورة التي يسميها "إسلامية"، بل إن الفوضى تمهد للبيئة التي يعيش وينتعش فيها ويزرع ميليشياته. والسؤال: ما الهدف الاستراتيجي الذي يريد النظام الإيراني تحقيقه عندما استطاع أن يتواجد بقوة السلاح في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ الهدف واضح وهو تفتيت النسيج العربي عن طريق الأدلجة والميليشيات لتنفيذ مشروع الولي الفقيه الذي في الواقع يستخدم الخرافة الدينية لتحقيق التوسع الجيوستراتيجي والاستيلاء على الموارد ومصادر النفوذ.
٢. المشروع الأجنبي في المنطقة العربية
وهذا المشروع في ذات الوقت ما هو إلا أداة استراتيجية (بالتخادم المتبادل) تنفذ المشروع الغربي الذي اقترحه برنارد لويس عام ١٩٩٣م والذي يعتبر امتداداً لمشروع كامبل بانرمان ١٩٠٧م، حيث كانت إسرائيل الأداة الوحيدة إلى عام ١٩٧٩م ثم أتى المشروع بالخميني من باريس ليكون الوسيلة الجديدة. وقد تحدثت عنه في مقال سابق بشيء من التفصيل. إذاً: المشروع الإيراني التوسعي (إقليمياً) يتخادم مع المشروع الغربي (دولياً) والهدف (المنطقة العربية والهوية العربية) لأسباب استراتيجية لا تخفى القاريء الكريم في اعتقادي. هذه حقائق تاريخية تبين أن الهدف وجودي. أما تقييم الواقع فيقول: المشروع تقدم وتمكن من (٥) عواصم عربية بما فيها الأحواز، ولكن ينكفيء حالياً بسبب قيام المشروع العربي الذي بدأت جذوته بتحطيم مشروع أوباما والإخوان المتأسلمين عام ٢٠١٣م في مصر، أوباما الذي كان يريد إقامة إيران وتركيا شرطيين في الشرق الأوسط ويفتت (السعودية) والدول العربية إلى كانتونات حسب الوثيقة المشهورة (PSD-11) التي وقعها أوباما عام ٢٠١٠م، ثم تحطم المشروع مرة أخرى بقيام عاصفة الحزم في اليمن ثم بانطلاق المشروع التنموي التكاملي الذي تقوده السعودية وتدعمه دول الخليج ومصر اليوم في المنطقة (وهذا ربما يحتاج إلى بحث آخر بتوسع لاحقا). إذاً هناك استهداف وجودي لهويتنا ولكن هذا الهدف غير واقعي ويفشل استراتيجياً وإن تقدم تكتيكياً في العقدين الماضيين!
٣. القيم الإنسانية أم المصالح؟
وفي الوقت الذي كانت الأمم المتحدة راعياً لهذا المشروع التخريبي بطريقة غير مباشرة اتضح مدى طغيان الأطماع والمصالح الدولية في المنطقة على جانب القيم الإنسانية. والقيم الإنسانية الغربية اليسارية تحديداً شعارات تَحْيَى في وقت الحاجة فقط. أما في المجتمعات العربية فإن هذه القيم حية لأنها مكون أصيل في البنية الثقافية والاجتماعية العربية كما أن تأثير القيم الإسلامية السمحة واضح في هذه المجتمعات، لا الشعارات "الإسلاموية". وهناك فرق اليوم في التعامل الدولي مع قضايا المنطقة سيظهر جلياً في المرحلة القادمة في اليمن تحديداً حيث يبدأ انحسار المشروع التخريبي. فالمجتمع الدولي بدوله العظمى ومنظماته سينقلب ضد إيران وميليشياتها بعد صبر المنظومة الخليجية والعربية على تواطؤهم الذي طال وصال وجال في المنطقة! في اليمن سيتحول الموقف إلى جمرة تحرق كل المتآمرين على اليمن والسعودية وحلفاء الحق العربي الأحرار الشرفاء. سيتغير الموقف الدولي لأنه لا يعترف الا بالأقوياء! وقد أثبتنا في الكتلة الخليجية والعربية التي تقودها السعودية قوتنا عسكرياً وقانونياً وأخلاقياً وإنسانياً ودبلوماسياً واقتصادياً، قطعت هذه القوة من أعمارنا أكثر من عقد من الزمان.
٤. عناصر القوة تحسم الصراع
برزت هذه القوة منذ إيقاف السعودية لمشروع التفتيت الآنف الذكر. وتظهر جلياً ومجدداً في اليمن من خلال التحول العسكري في عمليات قوات التحالف العربي والقوات الشرعية اليمنية وأحرار مأرب ومناطق اليمن المختلفة. كما برزت في التعامل الدقيق من قبل هذه القوات قانونياً وإنسانياً مع الأهداف العسكرية التي كانت تضعها الميليشيات الحوثية بين الأعيان المدنية تدرعاً بتلك الأعيان. وبرزت أيضاً في التصريحات الإعلامية لقوات التحالف المدعومة بالأدلة، حيث فضحت تبعية الحوثيين وإرهابيي حزب الله اللبناني الذين يعملون في صفوف الحوثيين لمصلحة المشروع الإيراني. والأهم من هذا أنه تم استعراض القوة الاستخباراتية السعودية وفضح مدى هشاشة محور طهران من خلال اختراق التنظيم الحوثي من الداخل والذي يعد نسخة من النظام الثوري الهش الحاضن له في طهران، والذي عليه (أن يعد أنفاسه الأخيرة) كما عبّر عن ذلك العميد تركي المالكي متحدث قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن في أواخر شهر ديسمبر ٢٠٢١م.
٥. القوة والأمن الاستراتيجي
هذا السياق ليس من باب الدعاية الإعلامية ولكن هذا هو الموقف الأمني استراتيجياً في المنطقة العربية في المرحلة القادمة، حيث يبدو أن المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية (Classic Realism) تطفو حتى وإن ظهرت أصوات من المدرسة الليبرالية (Liberalism). فاستراتيجية القوة التي استخدمها التحالف العربي مؤخراً مع النشر الإعلامي لفضح ميليشيات الإرهاب ومن يدعمها ستجلب لنا دعماً دولياً بفعل القوة التي أثبتناها إلى جانب القوة الدبلوماسية السعودية النشطة جداً والصعود الاقتصادي المبشر، وسينقلب السحر على الساحر. المهم في المرحلة القادمة أنه يجب أن تتوحد جبهاتنا الإعلامية والعسكرية لاستثمار هذا الزخم لمصلحة العمليات العسكرية في اليمن. والهدف السياسي النهائي هو استعادة الدولة الوطنية وإسقاط الميليشيات الإرهابية ذات الفكر العابر للحدود وتحقيق الأمن والاستقرار للشعوب العربية في الداخل، في اليمن ولبنان والعراق والدول التي يتواجد فيها المشروع التخريبي الذي ينفذه نظام طهران. ومن هنا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، وتنطلق عجلة التنمية في دول المنطقة في بيئة مستقرة. ومن هنا إذاً يموت المشروع التخريبي الذي أداته إيران وميليشياتها، ويحيى المشروع التنموي العربي.
يقول زهير بن أبي سلمى في معلقته:
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِـهِ
يُهَـدَّمْ وَمَنْ لا يَظْلِمْ النَّاسَ يُظْلَـمِ
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبْ عَدُواً صَدِيقَـهُ
وَمَنْ لَم يُكَـرِّمْ نَفْسَـهُ لَم يُكَـرَّمِ.
اللواء الطيار الركن المتقاعد
عيسى بن جابر ال فايع
متخصص بالشؤون الاستراتيجية والأمن الدولي