التحقنا بالطيران كطلبة عسكريين وخلال الدراسة كنا نعزي انفسنا بأن المدة التي كنا نظنها تفصلنا عن الحرية الشخصية هي التخرج ثم التقاعد المبكر ! والسبب بديهي يتمثل حينها في حجم الضغوط النفسية والبدنية اللازمة ، ومع ان تلك التهيؤات الهزلية لم تغير شيئاً من الواقع إلاَ أن الأيام تصرمت ولكن ببطيء شديد شعرنا معها بأن يوم بالكلية هو عن سبعة أيام !؛ ثم جاء يوم التخرج المنتظر في موعده وسط مشاعر متضاربة بين الفرح والأمل والخوف والحذر ، ولن يغيب عن ذاكرتي في ذلك اليوم المهيب موقف للراحل عوض بن سلامة ال عادي رحمه الله وهو في الصف الأول ضمن الجماهير التي حضرت حفل تخرجنا فعندما رآني متجهاً للسلام على والدي واقاربي خرج منطلقا بحماس من مكانه واستقبلني بفرح ودموع غزيرة ولا أدري متى وكيف جاء رحمه الله؛ والأكيد ان مشاعره الوطنية الجياشة وتأثره ارتبطت بالعرض الجوي والاستعراض الأرضي والمعزوفات العسكرية الوطنية . ثم ماذا بعد التخرج؟ لقد تغيرت حياتنا إجمالاً وادركنا أن الضغوط الرهيبة التي واجهتنا وتعايشنا معها طيلة ثلاث سنوات بين الدراسة والتمارين والطيران بالكلية لم تكن أكثر من جرعة بسيطة وتجربة عادية جداً قياسا بما بعدها من اول يوم في مواجهة العمل الحقيقي ومسؤولياته ؛ ومع انني تشرفت بالعمل جزئياً في افرع قوتنا المسلحة الباسلة فليس تحيزاً ان قلت ان القوات الجوية الملكية السعودية العملاقة هي مؤسسة حضارية وطنية رائدة تصنع رجالها بمواصفاتها الخاصة فتشكلهم حسب معاييرها الفريدة بالتدريب والتعليم والتطبيق على الأرض وفي السماء وعلى سطح البحر ليلا ونهارا ، إن هذه القوات تبني مدناً حقيقية ومؤسسات تنموية جبارة ، وهي تكاد تنفرد بأن جلَ منسوبيها متعاضدين ومنصهرين في بعضهم فلا فرق بين صغير وكبير فقد تعلموا ثم تدربوا ثم تيقنوا أن لا أحد بمفرده يصنع النجاح بل ان الفريق هو من يفعل ذلك (.) ومن لا يعرف مهارات ومهام وظروف رجال الجوبكل تخصصاتهم لن يستطيع تقمص حياتهم أو معرفة كيف يعيش اولئك الرجال في اقسى الظروف ،وكيف يقفون بثبات في مواجهة خطر الموت في مواقف كثيرة واغلبها في حالات السلم فالتدريب الشاق هو ديدنهم وليس اي تدريب! والدليل على ذلك ما يراقبه العالم حاليا فيقف له الأصدقاء بإكبار وينحني له الأعداء بغيض شديد. لقد منحتنا هذه القوات الجسورة فُرص لا تُحصى ليس اكثرها معرفة دول وشعوب وثقافات العالم بأسره وعلمتنا شتى العلوم بما فيها العلوم الجوية والانسانية والنفسية وعلم الطبيعة والمناخ والطقس واستراتيجيات التخطيط للحرب ليس ذلك فحسب بل علمتنا احترام كل شيء حتى الأعداء ، والعناية حتى بالبيئة ومكوناتها! ونقلتنا هذه القوات الشامخة من ضيق المعرفة الى آفاق معرفية بلا حدود ، والأهم أن هذه القوات الجوية العملاقة أعطتنا الثقة المطلقة بالله سبحانه أولا ثم بأنفسنا ثانيا ثم بقدراتنا على الوصول لأهدافنا وتحطيم الخصم وتحقيق النصر لبلادنا وشعبنا ... فكيف عسانا أن نكافئ هذه القوات ؟! شخصيا وأنا أغادرها بكل فخر ومحبة واعتزاز بها وامتنان للقائد الاعلى خادم الحرمين وحامي أوطان العرب ، ومستشعرا لوطنيتي لا استطيع أن أعيد لهذه القوات مثقال ذرة من جمائلها وعطاءها وعزها وفضلها وتكريمها وتعليمها التي انعمت بها علي منذ التحقت بها طالبا في صيف عام 1404هـ وحتى الآن ، ولكن يبقى بيدي جهد المُقل كما يقال وهو الشكر والاعتراف بالجميل والفضل لأهله فشكرا ثم شكرا لله اولا ثم لبلادي ولمليكها الفذ وشكرا لكل قادة بلادي وولاة أمرنا جميعا وشكرا خاصاً لوزير الدفاع الأمل الكبير لشباب الوطن محمد بن سلمان وشكرا لقواتي الجوية الضاربة المُهابة، وشكراً لتراب بلادي الذي علمنا معنى الوطنية وشكرا لسماء الوطن التي طالما اتسعت لنا سنين طويلة ونحن نجوب اجواءها ليل نهار الافاً من الساعات في شتى الظروف وفي السلم والحرب ؛وكم هي رائعة سماء بلادي دون سماوات الدنيا. ويبقى الشكر الحميم لصناديد الرجال الجنود الشجعان الذين تشرفت بالعمل معهم ؛ ولضباط الصف الفنيين الأبطال روح هذه القوات الذين طالما تركوا عوائلهم وسهروا وقدموا انفسهم وجهدهم وأوقات راحتهم تحت لهيب القيض وزمهرير الشتاء لتجهيز طائرات مهامنا الجوية حتى وهم في اقسى الظروف العائلية ، وشكرا لكل الإداريين خلف الحواسيب والسجلات والتحية للضباط القادة الذين تتلمذنا على ايديهم والذين عملنا بمعيتهم أو زاملناهم . شكرا لكل حارس بوابة وحارس طائرة بالقوات الجوية ؛ وشكرا للموجهين ولرجال السيطرة الجوية الذين بأصواتهم عبر الراديو تزول وحشتنا ونحن في ظلمات الليل والسحب الركامية ؛ وتحية لكل موظف وموظفة ساندوني فبهم جميعا بعد فضل الله نلت أعلى مراتب الشرف داخل المملكة وخارجها. شكرا مرة أخرى للملك الإمام الشهم سلمان بن عبدالعزيز ولنائبيه وشكرا لكل مواطن غيور مخلص ساند رجال القوات المسلحة ودعا الله لهم في ظهر الغيب. شكرا لكل محب للقوات الجوية فمشاعرهم تصل إلى كل من عمل وخدم بهذه القوات وانا احدهم. شكرا لك أبي الصابر وشكرا لك أمي الحانية وشكرا لعائلتي التي عانت معي كثيرا. شكرا لكل مواطن سعودي يعتز بوطنيته ورجال قواتها المسلحة. شكراً للمقاتلين المجاهدين الغيارى في السماء وعلى الأرض وعلى سطح البحر. شكرا للمرابطين على خطوط النار لمواجهة الأعداء اينما كانوا.
وستبقى قواتنا الجوية فخر للوطن ورمزاً للقائد ودرعاً للشعب وستظل شامخة بعون الله تذود عن الحرمين والقرآن والسنة وعن أطفال ونساء ورجال المملكة وتدافع عن الحق اينما كان.
اخيرا أخي العامل الموظف بأي حقل اذا انجزت ففكر بالتغيير في الوقت المناسب قبل أن تداهمك المتغيرات في الوقت الصعب. ولا تقلق فهناك من سيواصل مسيرتك على خطى الوطن.
وشكرا لصحيفة الرأي ولمديرها العام ولرئيس تحريرها المتألق لإتاحة الفرصة لأقول لكم جميعا شكرا على مشاعركم ومحبتكم التي هي والله من اغلى ما امتلك.
التعليقات 9
9 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
الطريبي
25/01/2016 في 8:35 م[3] رابط التعليق
مقال ممتاز
أخي العامل الموظف بأي حقل اذا انجزت ففكر بالتغيير في الوقت المناسب قبل أن تداهمك المتغيرات في الوقت الصعب. ولا تقلق فهناك من سيواصل مسيرتك على خطى الوطن.
(0)
(0)
طريب
25/01/2016 في 8:39 م[3] رابط التعليق
رحمه. الله
(0)
(0)
مجمد الجــــــــابري
26/01/2016 في 11:27 م[3] رابط التعليق
تواضـعك وشــكرك للقــادة والزمــلاء والوطــن وكــل النـاس
الجميع يقول لليطل /ابا منصور كنت ولا زلت ابن الجميع البار
اذا افتخرت يوما تميم بقومها
وزادت على ماوطدت مـن منـاقب
فانتم بذي قار امالت سيوفكم
عروش الذين استرهبوا قوس حاجب
بيض الله وجهك— تحياتي
(0)
(0)
العقد الفريد
28/01/2016 في 11:20 ص[3] رابط التعليق
بوركت أبا منصور
مازال يعجبني فيك إنتماءك لكل شي وحنينك لكل ماحولك كذلك يعجبني إعطاءك لكل شي حقه
كلماتك رائعة بروعتك وجزلة تدل على عمق تفكير عهدناه فيك ودقيقة بدقة وصفك لكل جميل يختلج مشاعرك وفي هذه اللحظة وكل لحظة ابدي إعجابي بشخصك الكريم وبما وهبك الله من صفات رائعة دمت صديقا وفيا مخلصا وبارك الله لك ومتعك بالصحة والعافية
تحياتي تسبقها دعواتي
(0)
(0)
ابو مشعل
29/01/2016 في 10:55 ص[3] رابط التعليق
ابا منصور رعاك الله سوف تبقي وتظل الرجل المخلص الذي خدم وطنه وخدم الجميع ومواقفك الشهمه تتذكرها اجيال ورا اجيال .
فشكرا لك وسوف تظل في قلوبنا.
(0)
(0)
سالم مناحي العابسي
30/01/2016 في 7:23 ص[3] رابط التعليق
مازلت اطرب الى نغمات قلمك
(0)
(0)
سعيد القحطاني
31/01/2016 في 12:36 ص[3] رابط التعليق
رغم مرور سنين طويلة وبلوغك مناصب عاليه الا انك لم تنسى وفاء وفرحة عوض بن سلامه الرجل الخلوق والشهم وهذا يدل على وفاءك للرجال وطيب معدنك في زمن قل الوفاء فيه وساد التعالي ونكران الجميل …وعنوان مقالك يؤكد ودليل على وفائك للكيان الشامخ القوات الجويه في النهايه كما أوفيت لرجل ذرف الدموع فرحا بك في البدايه … شكرا سعادة اللواء
(0)
(0)
شبيه صدام
03/02/2016 في 10:51 ص[3] رابط التعليق
شكراً للك انت صراحه بيفقدونك القوت الجويه
ومجتع طريب
(0)
(0)
ALKING
04/02/2016 في 3:21 م[3] رابط التعليق
لله درك ابا منصور …
(0)
(0)