حين يتناهى إلى سمعك أن أحدهم مات، أو رحل عن الديار، أو تقاعد من عمله، تبدأ ذاكرتك تستعيد ما كنت تعرفه عن هذا الشخص فتقلب الصفحات تبتسم وأنت ترى مآثره ومعالم بصماته الخيرّة قولا وعملا..
وتتألم لآخر لم يهتم لعثراته وسقطاته متعمدة أو عفوية، فصنع لنفسه سيرة فقيرة من المآثر !
لا شك أننا جميعنا سنكون هذا الشخص يوما ما إما بموت، أو رحيل، أو تقاعد، وهنا يأتي السؤال العميق للنفس ( ماذا قدمتِ؟ ) لتحضر الإجابة المخدِّرة تخديرا موضعيا للضمير ( قدمت وخدمت وعملت )..
وتبدأ النفس الأمارة بالسوء في رفع سقف المآثر والأثر الحسن، والتقليل من شأن المثالب والعيوب خشية اللوم والتقريع!!
الأثر ليس بالضرورة أن يكون حسنا دائما وهذا مؤسف جدا، إذ يمكن أن يكون أثرا بشعا كالندبات في وجه صبية حسناء، وقد يكون جارحا أو مدمرا أو قاتلا..
فكما يفخر مهندس بناطحة سحاب أصلها في الأرض ورأسها يعانق السماء هناك آخر طوى الأمانة بين ثنيات النقود فعبث بأساسات بناء خرِب رغم حداثته فانهار وتحول أنقاضا على رؤوس ساكنيه!!
أيضا كما يكون للمعلم الجهبذ أثر حسن يبدو جليا في جيل متعلم ومبدع، هناك معلم آخر دمّر الطالب بقسوته ونرجسيته وعقده فترك بصمة مشوهة المعالم في نفوس الطلبة!!
وقد لا يكتفي بذلك فيمتد أذاه إلى التحطيم والتقليل من شأنهم والتسبب في تركهم مقاعد الدراسة وضياع مستقبلهم..
والأثر أيّا كان نوعه لا يرتبط بجنس أو جنسية معينة ولا حتى بمكانة اجتماعية..
فكم من عامل نظافة أثره الحسن واضح وبيّن وهو يمارس دوره الوظيفي بكل إخلاص فلا وظيفته تحول أن يكون شخصا مثاليا متعلما أو حتى ( إنسانيا )..
بينما قد يكون مديرًا أو حتى شخصًا مرموقًا ولكنها مكانة ورقية على النقيض منه تماما !
فتراه متغطرسًا سليطا أثره السيء مطبوعًا بوضوح على قلوب مرؤوسيه..
وهناك حطاب قلبه أقسى من فأسه حين يغرسها في شجرة تمدّ الأرض بالأكسجين ويطبع أثر فأسه على ماتبقى شاهدا على جهله!!
وهناك دكتور آثر الغنى المادي على غنى النفس ومسح أثرًا كان يمكن أن يكون علامة إنسانية تجمل خلقه كجمال مهنته..!!
وليس هناك أسوأ من شخص تتحاشى البقاء معه أو الالتقاء به خشية لسانه وسوء طباعه!!
الرحيل لا يستأذنك بالقدوم لكي تستعد له فقد يباغتك على حين غرة ويطوي صفحاتك التي دوّن فيها الكثير إما بمداد من دعاء لك، أو بعبارة ( اذكروا محاسن موتاكم ) المآثر والمثالب ضدان لا يجتمعان أبدا وأنت من يختار الرداء ليتدثر به إما يزيدك جمالًا ووقارًا، وإما يحفر في قلوب الآخرين ذكريات عنك بشعة لا تنسى.
جواهر الخثلان
مآثر ومثالب ..!
(0)(1)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6504934.htm