الصمت هيبةٌ ووقار هكذا تعلمنا، والأمر الطبيعي أن تتحدثْ ليفهمك الآخر، لكن أن تصمتَ وتُفهَم..!
فهذا تحدٍّ وفنٍّ لا يتقنه إلا النابغون ذو الكاريزما الخلاقة والمؤثرة..
الصمت حديثٌ لا تسمعه الآذان لا سيما حين يكثر اللّغط، وتدور رحى الحرب الضروس في النقاشات العقيمة..
الأشخاص الصامتون فئتين مختلفتين تمامًا، ولا يشتركان في شيء واحد عدا الصمت المطبق..!
الفئة الصامتة الأولى.. يكاد يكون صمتها جُبنا أو غباء حين تسمع حديثا نزقا مُستفزا، فتلتزم الصمت في دعة وسكون..!
أو حين يكون صمتها بمثابةِ ركلة قوية لفرصة نادرًا ما تتكرر لانتشالها من حال سيء إلى حال أفضل بحجة الخجل والإحراج..!
هنا يكون الصمت غباء وحمق..
والفئة الأخرى هي من تدثّرت بالصمت وقارا، وعمقا، وهيبة، فانتبذت بذاتها عن توافه اللغو وسقط النقاش وتفاهة الجدال..
صمتهم حديث أخاذ وآسر، لو دخلتَ لأعماقهم لذُهلت من جمالهم الداخلي، سحر صمتهم مدهش وبليغ، تصل رسائلهم بالنظرة والابتسامة وأحيانا بالدهشة..
هؤلاء لديهم فَراسة عجيبة، تستوقفهم الملاحظات الدقيقة حتى وإن لم يتفوهوا بحرف واحد، فهم يقرأون أحاديثك قراءة المتأمل الفطين، لا سيّما حين يهمهم أمرك.. تعقيبهم مقتضب ولكنه دقيق ، اختصارهم تأكيد غير مخلّ وصمتهم قوة وثبات .
فاحذروا صمت من تحبون، واحترموا صمت من لا تحبون، فأولئك قد تأتي عليهم لحظة لا يستطيعون فيها الكتمان فيكون حديثهم مُدويا مُجلجلا كما كان صمتهم عميقا وآسرا..!
الصمت لغة الحكماء، ودثار الوقار، ومنجاة للمتهورون، قد تقابل أحدهم يوما ما وقد تلتقيهم دائما فلا يلفتك فيهم شيء فتزدريهم..!
هنا يتوجب عليك الحذر، فليس كل صامت غبي أو جاهل، كما أنه ليس كل متحدث عالم..!
هناك من يرى أن الصمت عقوبة نتيجة لموقف يكون فيه غاضبا أو محبطا أو مصدوما..!
وهذا نوع من الاحتجاج الاختياري السلبي و يعد ضعفا واستسلاما..
وهناك من يراه علاجا حين يلتزمه إثر حالة هيجان من أحدهم مما قد يؤجج الوضع، ويرفع وتيرة الجدال فيصمت وينحني للعاصفة حتى تعبر ويخرج بأقل الخسائر وهذا ذكاء وفطنة فالخير كل الخير في الصمت وما قلّ ودلّ.
بقلم: جواهر محمد الخثلان
تحدّثْ بالصّمْت
(0)(1)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6544178.htm