ينام الناس وهم يسهرون على راحتهم، يأخذ العاملون إجازتهم ولكنهم يناوبون في أعمالهم، تذهب إلى الطوارئ يوم الجمعة فتجدهم يستقبلونك، يتملكك الفزع لأمر طارئ آخر الليل فتسرع إلى قسم الطوارئ فتجدهم يعملون، تحدث مصيبة فتجدهم يخففون عنك آلامها... إنهم الجنود المجهولون، العاملون بأقسام الطوارئ من أطباء ومختصين وإداريين.
وبالرغم من ذلك فإن المرضى أكثر تبرما من العاملين في أقسام الطوارئ؛ ولا سيما مع ساعات الانتظار التي قد تحدث ولا تستدعي التدخل السريع، لمحدودية العاملين في القسم، ولاختلاف تقدير الحالات المرضية الخطيرة، وتقديم الأولويات، وتشير الأبحاث العلمية إلى أن القسم الأكثر عدم رضا من المراجعين هو قسم الطوارئ، الذي لا تتجاوز فيه نسبة الرضا 50%.
من واجبي أن أقدم تثمينا وتقديرا خاصا للجهود الكبيرة التي يبذلها فريق الطوارئ بمستشفى الملك خالد الجامعي (المدينة الجامعية) وذلك في ظل ظروف استثنائية، وحجم التحديات اليومية التي يواجهونها؛ نتيجة ضغط العمل، ونتيجة ضيق المراجعين، ونتيجة الحالات الحرجة التي يعملون عليها على مدار الساعة، ويبلغ عدد المرضى سنويا الذين يراجعون قسم الطوارئ بالمستشفى مائة وأربعون ألف مريض، بمعدل 300-400 مريض يوميا، تتراوح الحالات الحرجة بين 10-30%. ومع التوجه لفتح أهلية العلاج لغير منسوبي الجامعة فمن المتوقع أن يزداد تدفق المرضى.
إن قسم الطوارئ يعد واجهة المستشفى، فإذا رضي الناس عن الطوارئ رضوا عن المستشفى، والشكاوى بقسم الطوارئ 70% منها بسبب التواصل، وكلما كان التواصل فعالا مع المرضى قلت الشكاوى، ومن ثم فهناك حاجة لتعزيز علاقات المرضى لمعالجة التذمر الذي يحدث أحيانا عبر التعامل العلاقاتي المهني مع المرضى، وتزداد الحاجة إلى الأمن والسلامة لحماية المرضى والطاقم الصحي بما يساعد على التركيز على العمل دون التشتت.
ومن المهم التأكيد أن قسم الطوارئ بحاجة إلى مزيد من توسعة المكان والطاقة الاستيعابية، وتوفير الموارد الملائمة لاستيعاب الأعداد المتزايدة، وضخ مزيد من الموارد البشرية، ومنح العاملين مزيدا من ساعات التفرغ، ومحاولة رفع العبء الإداري والمكتبي عن الأطباء من الاستشاريين وأعضاء هيئة التدريس.
إن ما يجب أن نحذره وسط معمعة العمل والضغط على الممارسين الصحيين هو "الاحتراق الوظيفي" خاصة في ظل الظروف الاستثنائية، وهو ما أشارت إليه عديد من الدراسات، وخطورة انعكاسه على أداء الطبيب أو الممارس الصحي سلبيا، ليس فقط على الصعيد المهني بل والحياتي عامة. ولا سيما أن 80% من الاستشاريين المناوبين في قسم الطوارئ بالمستشفى متدربون في أعلى الأكاديميات العالمية.
لذلك ندعو إلى مزيد من التقدير المادي والمعنوي للزملاء في أقسام الطوارئ. وقد كانت المملكة رائدة في دعم هذا الصف الذي يقف في الخندق الأول في مكافحة وباء كورونا، وذلك في قرار مجلس الوزراء بصرف نصف مليون ريال لذوي المتوفى بسبب جائحة (فيروس كورونا الجديد)، من العاملين في القطاع الصحي الحكومي أو الخاص، مدنياً كان أم عسكرياً، وسعودياً كان أم غير سعودي.