كل نفس تميل إلى من يهتم لأمرها، يتفقدها حين غيابها، تحمله سحائب الفرح حين تسعد، وتدكّ روحه آلام موغلة في الوجع حين تتأوه، وتكره أن تبقى حبيسة أدراج الإهمال وأرفف اللامبالاة، إلا أن القدرة على تحمل الاهتمام بشخص ما لا تستطيعه إلا نفس محبة بإخلاص، وقلب يفيض عطاء، وروحا تأبى إلا أن تقدم غيرها على ذاتها ..
بين الاهتمام والإهمال مسافة ليست بالقصيرة، فإما اهتمام يشعرهم بمكانتهم في قلبك، وقدرتك على الاحتواء، ومنحهم الحب، أو إهمال مجحف يُخمد ما تبقى من فتيل توهج بمشاعر تضرب جذورها في أعماق النبل والصدق ..
الإهمال يتسلل من المُهمِل شيئا فشيئا وبلا إحساس، إذ قد لا يستيقظ منه إلا وقد خسر الكثير حين قدّم من لا يستحق على من يستحق ..!
في بعض الحالات ينبغي علينا أن نتوقف عن الاهتمام المستمر لأحدهم لينتبه لما كنا نفعله من أجله..
فجهله وأحيانا غروره يعميه عن إدراك قيمة الاهتمام به ورعايته ومحبته في قلب الآخر، ومن هنا تؤدي قوة الاهتمام إلى قوة الصدمة حين يستبدل بالإهمال..!
التقدير والاهتمام ليس سلعة متبادلة فحين أهتم لأمرك تهتم لأمري! وحين أبتسم لك تبتسم لي! وفي صدي عنك لظرف قاهر تغيب فيما يشبه العقاب لي!
المشاعر الثابتة لا تقبل التأرجح وليست بضاعة على أرفف المتاجر تأتي لتقتنيها متى شئت..!
اهتمامك بالآخر لا يعني إهمالك لنفسك، فالتوازن مطلوب ولنفسك عليك حق، فلا تسرف في بذل مشاعرك لمن لا يقدرها ويهملها..
الاهتمام ثم الإهمال لا يأتي بين العاشقين فقط بل تبدو معالمه واضحة جدا بين العديد من الأزواج، والأباء، والأبناء، وبين الأصدقاء، حتى وإن اختلفت أسبابه إلا أنها تتوحد نتائجه بين ارتماء مؤقت في أحضان آخر، أو تيه في محطات الرحيل والفراق..
لماذا لا نقلِب المعادلة؟
فيأتي الاهتمام بعد الإهمال لتورق المشاعر وتدب الحياة في تفاصيل الأحاسيس..
لماذا نتجاهل قيمة العطاء ونقابلها بالجحود؟
لماذا لا نزيد في مساحة الاحتواء والصبر؟
الإهمال بوابة واسعة للرحيل، تمسك برفيقك وامنحه نافذة صغيرة يرى العالم من خلالها، ويتنفس الأجواء الصحية للعلاقات المتينة دون قيد أو شرط حتى ولو كان قيدك من ألماس.