لاتخلو حياة أمة أو دولة ما منذ البدء من وجود النماذج الوطنية المتفرّدة المتميزة في مجالها ، معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري الذي حظي بتقدير ملوك هذه البلاد جميعهم منذ المؤسس أبوتركي -رحمه الله-، حيث شارك في جيشه وكانت آخر مشاركاته في توحيد أبها، حيث قال لي مررنا بطريب وعسكرنا في القاعة بقيادة ابن مساعد، وقد بلغ بكل جدارة منصب نائب رئيس الحرس الوطني المساعد بمرتبة وزير، تميّز وتفرّد وانفرد بين الجميع في تاريخ الدولة السعودية، وفي حقبته الحياتية الوطنية والوظيفية بالولاء والبناء والسمع والطاعة والعطاء والصدق والإخلاص وسمو الروح ونقاء النفس وطهارة اللسان ونظافة اليد وجودة العمل وحسن السيرة حتى استقر نجماعاليا لامعا في سماء الوطن محبوبا من الجميع .
في مثل هذا اليوم 10يونيو من العام 2007 م عن عمر يناهز 95 عاما، صعد وارتقى معاليه قيمة ومكانة من داره في الأرض وحياتها الفانية التي كان فيها نجما ساطعا إلى السماء إلى الدار الباقية تحفه ملائكة الرحمة بإذن الله ، انتقل صعودا من رعاية وتقدير الملوك آل سعود في الأرض لوفائه إلى رعاية ورحمة ومغفرة ملك الملوك في الأرض والسماء سبحانه وتعالى .
ولأن معاليه من أبرز وأصدق وأنبل من التقيت في حياتي الصحفية وهم كثير وكلهم فيهم الخير، إلا أن معاليه كان مختلفا وفارقا فيما حكاه لي عن نفسه وعن حياته وسيرته وعلاقته بملوك بلادي، وقدخصني بدعوة شخصية في قلب وخاصة داره ( مجلسه الخاص )، حيث لا يستقبل فيها أحد من خارج أسرته الكريمة كما قال لي ابنه الأستاذ محمد ، وهذه من خصاله الكثيرة والحميدة التي يتميز بها في مسار حياته مع من يلتقيهم بمحبة، حيث يزيد في إكرامهم وتقديرهم كونه عربي قح يكرم ضيفه وطارق بابه، وصاحب قلب كبير، وكنت قد قابلت معاليه -رحمه الله- قبل هذا مرة واحدة في يوم لقاءه الأسبوعي بمحبيه وزواره وقد غص بهم منزله بمجالسه الثلاثة، وكان الكثير منهم وقوفا من كثافة الزوار المطمئنين على معاليه خلال مرضه العضال الذي أتعبه في آخر أيامه رحمه الله وكانوا جموعا غفيرة من شيوخ القبائل وكبار المسؤولين عسكريين ومدنيين ورجال ثقافة وكتّاب وإعلاميين ورجال دولة سعوديين وأجانب من عرب وعجم .
حظي معاليه بقيمة ومكانة وتقدير كبير على مستوى المملكة والوطن العربي، حمل رسائل بين القادة العرب من ملوك المملكة، وكان ذو مكانة وذات رمزية عظيمة لدى الأدباء والمثقفين والكتّاب السعوديين والعرب وطوّعهم لخدمة بلاده وقادتها، وغير أفكارهم نحو الصحراء وبدوها الذين صنعوا المعجزات وكان بحق عرّاب الثقافة السعودية الرسمية والشعبية، وصنع ثقافة سعودية ملهمة مثيرة وجديدة على وعينا الثقافي والإعلامي الرسمي والشعبي من خلال الجنادرية التي كانت مضرب المثل محليا وعربيا، وغطت وطغت سمعتها وفعالياتها المتنوعة النظيفة على أمثالها في الوطن العربي مثل المربد وأصيله وغيرهما، كثير من الفعاليات الثقافية وما يجري الآن من فعاليات خليجية هي اقتباس تقليدي للجنادرية وفعالياتها وندواتها الشاملة .
بفقد الشيخ عبد العزيز التويجري -رحمه الله- فقدت الثقافة السعودية الرسمية والشعبية والفنية والتراث السعودي سناها، ولعل وزارة الثقافة تسد الفراغ الذي تركه الشيخ التويجري وجنادريته التي كانت مسرحا مفتوحا وقاعة ثقافة نقية باذخة، وتراث متجدد من جذوره ، أصدر معاليه (14) أربعة عشر كتابا في مختلف أنواع علوم الثقافة والأدب والسياسة والتاريخ والاجتماع، وستخلد ذكره العطر وسيرته الباذخة للأجيال القادمة .
هنا أسوق بعض الأقوال والأراء عن معاليه في ذكرى رحيله -رحمه الله- من بعض الكبار في الثقافة والأدب والسياسة من السعوديين والعرب .
*********
يقول الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- عن الشيخ التويجري:
(بيني وبين أبو عبد المحسن عبد العزيز التويجري مودة قديمة ، اختبرتها الدنيا فوجدتها ثابتة قوية ، وقليل من المودات يصمد أمام اختبار الدنيا، التي تقبل.. فيقبل معهاالكثيرون ، فتدبر.. فيدبر معها الكثيرون، ويجمعني بأبي عبد المحسن حب المتنبي .
هذا الرجل الذي ينفي إنه أديب أو مؤرخ أو سياسي، قدم للأدب والمؤرخين وطلبة السياسة هدية لاتقدر بثمن، "لسراة الليل هتف الصباح" هدية سيظل الأدباء والمؤرخون وطلبة السياسة يشكرونه عليها زمنا طويلا، من أعماق الأعماق) ..
*********
ويقول عنه الأديب السوداني الكبير الطيب صالح:
(هذا الرجل النبيل عبد العزيز التويجري من الرجال النبلاء الأفذاذ الكرام، وتظل داره مفتوحة لضيوف الجنادرية طوال أيام المهرجان ولا ينتهي الموسم حتى يكون التويجري قد التقى بهم واحدا واحدا .. الجنادرية من ثمرات الحرس الوطني والتويجري في عين الحرس الوطني)..
*********
(ترتبط الجنادرية في ذهني بالشيخ عبد العزيز التويجري فما أن يرد الحديث عنها حتى ينتصب في الذهن بقامته وأسلوبه المميز بالحديث، وأستطيع أن أقول أنني والكثير من المثقفين عرفت السعودية عبر الشيخ عبد العزيز التويجري فهو الذي كان يدعونا وهو الذي كان يحاورنا)..
*********
ويقول الأديب سعد البواردي من جملة ماقال:
(لن أتحدث عن عبد العزيز التويجري كرجل دولة ، وحامل مسؤولية ناجح، وإنما عن عبد العزيز التويجري ككاتب، ومفكر، دون رياء ولاتملق ، لقد قرأته في خطاب تأملاته الحياتية والفلسفية من خلال مؤلفاته ومعطياته الأدبية، وخرجت من تلك القراءة بمحصلة تقول وتساؤل : لماذا لم يكرّم!!) ..
*********
(كنت أجهل معالي الشيخ عبد العزيز التويجري حتى عرفته من خلال بعض قراءاتي له، من خلال كتبه العظيمة التي وقعت في يدي ، فتحية إلى هذا الأديب العربي السعودي الكبير, وهذا الأديب الكبير في إسلوبه الذي يتصف بالتركيب اللغوي الصعب ويعتبر عصر التويجري كأديب هو العصر الذهبي للغة العربية لأن من يقرأ كتب التويجري يحتاج إلى ثقافة في اللغة العربية وقدرة عالية خالصة في فهم أدب هذا الشيخ الأديب -رحمه الله- ) .
*********
(يعد الشيخ عبد العزيز التويجري أحد أعلام هذا الوطن ورجالاته الكبار، وهو الذي عاصر كل ملوك البلاد الستة رحمهم الله وعمل معهم إبتداء بالملك المؤسس الذي هام به التويجري حبا، كما كل السعوديين..
التويجري في نتاجه الفكري أشبه مايكون في رأيي بالنابغة الذبياني زياد بن معاوية، الذي لم يؤثر عنه الشعر في النصف الأول منع مره، ولكنه نبغ في النصف الثاني حتى صار من مشاهير الشعراء العرب في الجاهلية وهكذا كان الشيخ عبد العزيز التويجري -رحمه الله- ).
*********
ويقول عنه من جملة ماقال الأديب المصري الذايع الصيت الناقدالكبير الأستاذ رجاء النقاش:
( لقد عاش عبد العزيز التويجري حياته الأولى فيالصحراء وأتم تربيته الأساسية حتى بداية سن النضج في هذه الصحراء، وهذه التربية الصحراوية الأولى هي الجامعة الكبرى التي تخرج منها التويجري، وعند ما انطلق هذا الكاتب المبدع الفنان إلى التجارب الواسعة في العالم العربي وعواصم الدنيا المختلفة لم يجد ـ لقوة أصالته مايدعو للخجل من "صحراويته" الأولى فهو ليس شخصية ضعيفة تنسى جذورها وأصولها عند أول صدام مع الحضارة الحديثة، ولذلك فقد وجد من الشجاعة الروحية ماجعله يتمسك ــ في غير تعصب أو تشنج ــ بشخصيته الأساسية دون أن يغلق عقله وقلبه)..
*********
ويقول عنه الأديب الجزائري الدكتور عبد الملك مرتاض أحد أعضاء لجنة أمير الشعراء:
(وجه مشرٌق من وجوه الثقافة العربية السعودية المشرقة، وملمح ناضر من ملامح الفكر العربي السعودي النّاضر وشخصية إجتماعية وسياسية من الشخصيات العربية المؤتلقة، ذلكم هو الشيخ عبد العزيز التويجري ، ليس رجل فكر وأدب وحسب ولكنه رجل يجمع بين خلال شريفة كثيرة ورجل قيادة وسياسة بامتياز).
*********
ويتحدث عنه الدكتور عبد الرحمن الشبيلي أستاذ الإعلام وعضوالشورى والصحافة القدير، فيقول:
(عبدالعزيز من مثقفي الكتاتيب والحلق والمدارس القديمة، لم يحضر جامعة، ولم يتتلمذ على أكاديميين، لكنه عشق الأدب والتاريخ وعندما كتب عن حوادث عصره تناولها بأسلوب حديث، وعلى أصول علمية، فألف كتبا بطرق تختلف عن معظم من سبقه، إنه أحد سراة الليل خلال القرن، الذين طال بهم السفر والإدلاج ، حتى انبلج لهم الصبح) ..
*********
ويقول عنه القاص الكبير إبراهيم الناصر الحميدان:
(كلما وردت أسماء الرعيل الأول من الأدباء والمفكرين تذكر المواطنون مبدعا مشهورا هو الشيخ عبدالعزيز التويجري، الذي أسس منتدى الجنادرية للثقافة والتراث الذي أصبح رمزا لتأصيل الفكر السعودي، ورمزا لاسترجاع ما للتراث من أصالة ومكانة في الأدب السعودي)..
*********
الأديب الكبير حجاب بن يحيى الحازمي يقول عن معاليه :
(يرتعد القلم إجلالا حين يهم بالكتابة عن علم كبير من أعلام الفكر والثقافة في بلادنا، مثل معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري الأديب المفكر الإنسان، ليس فقط لأنه من القامات الثقافية العالية الرفيعة في وطننا لهذا ولأسباب كثيرة وجيهة، وإنما لأنه واحد من خيار من أنجبتهم هذه الصحراء الصافية فأنضجت فيه الصفاء والنقاء والصدق والوفاء وعظيم الانتماء)..
*********
(عندما جاء صوت عبد العزيز التويجري من قلب الجزيرةالعربية مكتملا ناضجا ، تساءل الكثيرون : أين كان هذا القلم ؟ ولماذا لم نسمع به من قبل ؟ سؤال يعبر -للأسف- عن جهل الكثيرين منالمثقفين العرب بحقيقة المعاناة التي مربها جيل التويجري في زمنه)..
*********
هذا العصامي عبد العزيز التويجري الذي استطاع أن يبني من نفسه جسرا للثقافة والأصالة العربية ، يمده بينه وبين العالم، إني أراه أمامي الآن يحملنا على جناحين من الحب والكرم إلى خيامه التي نصبها في أعماق البادية ، بادية نجد وأشهد أني مامررت في حياتي برحلة أمتع ولا أجمل من تلك الرحلة التي حملتنا إلى بادية نجد قبل بضع سنوات، كان ذلك بمناسبة مهرجان "الجنادرية" المعروف ، لقد اختار لنا الشيخ التويجري هذه الزيارة يومئذ ليردنا إلى جذورنا الأولى ، إلى منابعنا العربية الرائعة في قلب نجد .
*********
(أسئلة كثيرة تنداح في البال عند الحديث عن فن الرسائل وهل هو قديم أم حديث!! وهل في إرثنا الأدبي الحضاري مايعد جذورا لهذا الفن الذي يتوهج في عصرنا لدى قليل من أدبائه ومفكريه العرب منهم وغير العرب!! الشيخ عبد العزيز التويجري واحد من هؤلاء الذين تتغلب مواهبهم وحبهم للأدب على إغراء السلطة وماتفيض به على أصحابها من شهرة ومجد، ومن هذا الابداع كتاب"رسائل إلى ولدي" للشيخ التويجري إنه قمة الفن)..
*********
وعن معاليه يقول الشاعر العراقي القدير يحيى السماوي بنثر يفوقالشعر :
(هذا المستحم بعبير المروءة، المتوضئ بندى مكارم الأخلاق، الساجر تنور حكمته ليملأ صحن شكنّا بخبز اليقين، والضارب في براري التأمل حالبا ضرع البلاغة ، ناسجا بمنول بيانه، خيمة من الدفء والعشب لصحراء الأبجدية، كيف لسنديانة قصيدتي أن تحيط ببساتينه وواحاته.
أبدو كالذي يحاول جمع ماء نهر بعيد الضفتين في كأس أو هذا ما أشعر به كلما حاولت الكتابة عن جبل الوقار الأديب العربي الكبير معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري) ..
*********
ويقول الصحفي اللامع والكاتب المعروف إدريس بن عبد الله الدريس:
(كيف تحكي عن كبير؟
وكيف تحيط بمحيط ؟
وكيف تصدّر المتصدّر؟
لابأس ..فهذا لن يحدث
لكنه محاولة إدراك الجل ..عوضا عن إستحالة إدراك الكل .
فإن كان ذلك كذلك فإن معالي الشيخ عبد العزيز التويجري يتموضع بمنطق الحسابات الرياضية في خانة الجمع والزائد، فقد جمع وزاد من الطاقات والصفات والقدرات ماجعله "الرجال" عبد العزيز التويجري ولاغرابة في ذلك، فثمة رجال خلقوا ليفتح لهم التاريخ أبوابه عنوة يدخلون من أيها شاؤوا، ذاك هو الشيخ عبد العزيز التويجري الأمين المؤتمن)..
*********
(معالي الشيخ عبد العزيز التويجري من الأدباء والمفكرين العصاميين المعاصرين ، ومنذ فجر صباه ورجولته المبكرة عكف في بلدته الفيحاء المجمعة قارئا ودارسا على نفسه وأمهات الكتب والمراجع العلمية والتاريخية والأدبية، التي صقلت موهبته الفكرية؛ لأنها كانت قراءة فيما يبدو تأملية استيعابية بذهن متفتح وعقل رصين وهمة وطموح ولهذا كان كبيرا)..
*********
(اتخذ الشيخ عبد العزيز التويجري من السعي إلى المعرفة بأي وسبيل كان هدفا وغاية، يستمع كثير أو يقرأ كثيرا ويحاور كثيرا، ولعل من بواكير حظوظه الطيبة لطيبة طويته وحسن نيته أن التقى باكرا في قريته الصغيرة آنذاك "المجمعة" برجل يكبره بأربعين عاما، وكان معاليه فتا غضا لم يناهز السادسة عشرة من عمره، فهداه إلى طريق المعرفة ، ودله على أمهات الكتب ، وتعرّف من خلاله على أبي الطيب المتنبي، وعلى أبي العلاء المعري، وعلى الشعر الجاهلي والأموي وعلى التاريخ والفكر والثقافة فأفاد من معلمه ذلك المجهول الذي لم يبح باسمه)..
*********
(كلما التقيت بمعالي الشيخ الجليل عبد العزيز التويجري، قرأت في وجهه وأحاديثه جزءا مهما من تاريخ ونضال وعطاء أبناء هذا الوطن العزيز في بدايات انطلاقته الحضارية والسياسية والثقافية، الشيخ عبدالعزيز التويجري عاشق لهذه الأرض ومتيم بها، وهذا العشق جسده في حواراته وأحاديثه عندما يطوّف في عوالم المتنبي والمعري والصحراء والملك عبدالعزيز)..
*********
ويقول عنه الدكتور المستشار المعروف سعود المصيبيح:
(الحديث عن معالي الشيخ عبد العزيز التويجري من الأحاديث المستطابة، لا لشيء سوى كونه حديث عن رجل يمثل أمة، وأمة بأكملها في شخص رجل تتجلى فيه الوطنية بأبهى وأجمل حللها، فهو القدوة الخلقية التي تقتفى وتتبع ، مثلما هو القدوة في التفاني والإخلاص للدين والمليك والوطن)..
تغريدة : إلى روحك الزكية أيها الشيخ العظيم تستمر دعواتي الصادقة في الصعود لرّبّ المعبود بأن يعلي مقامك في الفردوس الأعلى .
تويتر: @mohammed_kedem
أ . محمد بن علي آل كدم القحطاني