وما فائدة التكريم لمن يستحقه بعد الرحيل؟!
ولماذا لا يُكرَّم الإنسان ولو بكلمات شكر وعرفان ولقاء بسيط ليسعد بها مع عائلته وأطفاله وليجد نفسه مبتسماً بها معهم، ويثق بأن دوره مهم وعطاء مستمر وخبرته محل تقدير مجتمعه، فكيف وهو شيخاً كبيراً يحتاج للتقدير أمام أحفاده وأبناءهم الذين لن يعيشوا حياته وذكرياته ومعاناته الكامنة بداخله وعلى شطآن صمته..
لقد فعلوها تكريماً لمن يستحق..
ونحن هنا أمام أحد مشاهد الشهامة التي بُنيت على مبادئ وثقافة هذا الوطن السعودي الكبير بتاريخه ومعتقده وحاضره..
هو موقف وفاء من جيل جاهد لبناء نفسه بالعلم والصبر، وعانى الأمرين وتحمّل العناء في طلب العلم أملاً في مستقبل أفضل وتوفير قيمة الرثّ من الملبوسات وشيء من الطحين والدواء لوالديهم وإخوتهم الصغار الذين لم يكن لدى بعضهم مايقي من زمهرير الشتاء كغيرهم..
لكن الأهم هنا هو المحتفى به هذا الشيخ الجليل والمعلم القديم محمد النمازي، الذي واجه وجيله الأشد والأنكى وما الله به عليم من المصاعب وقساوة الحياة وشظف العيش، ومع ذلك صنعوا المستقبل وأناروا مصابيح العلم في دجى الليل البهيم لنرى معهم اليوم ثمرة تعليمهم وجهودهم وقد أصبحوا كباراً وبدورهم يزرعون الأمل ويوجهون الأجيال ويقودون المرحلة وعلى وشك أن ينقلوا مسؤولياتهم لأبناءهم وأحفادهم. "وتلك الأيام نداولها بين الناس" الآية.
هذا التكريم وأمثاله جاء نتيجة للإتصال الوجداني والنفسي بين الحاضر والماضي الذي أوجد بدوره بحر من العصف والصراع داخل النفس السليمة لتنحى بعفويتها إلى اللّحاق بما يمكن من الأعمال الإنسانية وحينها تستدعي الذاكرة من كان لهم الفضل والأثر الأهم عندما كان صاحب تلك النفس يافعاَ بمرحلة عنوانها القوة والفتوة والتعلم والبحث عن المستقبل!، وأعتقد أن هذا كان أحد دوافع خريجي ثانوية الفواز لتكريم شيخهم المعلم ابن جازان العريقة.
والناس حالياً تقول هناك مرحلة ذهبية وجيلاً ذهبياً وزمن للطيبين، وهذه التعابير ليست واقعاً بل مجازياً يُستخدمها البعض تلقائياً بدافع الحنين للماضي أو لمرحلة مهمة ما من العمر كانت مليئة بالتحديات وبالأمل والألم والبساطة وبالمصاعب في آن واحد، وقد تكون هي الفترة الأهم لتحديد المسار واتجاه رحلة الحياة وبناء الفكر وإيجاد الوظيفة وحتى الزواج وتكوين العائلة. والله تعالى هو مدبر كل شيء وله الحكم.
إنها صورة لوفاء الرجال التي رسموها بروح شباب الصف الثالث ثانوي تجاه معلمهم ومربيهم الذي قادهم قبل 44 عاما خلت، وهو بطبيعة الحال الأقدم هجرةً منهم في مشوار النجاح والتفوق وقبول التحدي والتغلب عليه ليصل في النهاية هو وطلاَّبه المحترمين الى عام 1442هـ، في زمن مختلف وعالم آخر تغيرت مفاهيمه ووسائله وتقنياته، بل وأصبح مرتع الصبى والمدرسة لهؤلاء الشباب "أحد رفيدة" مدينة كبيرة يتبوأ ابناءها مع إخوتهم في الوطن قيادة ألوية الجيوش، والجامعات ومقاعد مجلس الشورى وإدارة أهم المستشفيات ومراكز البحوث العلمية فلهم التحية.
يؤسفني أنني لا أعرف أسماء النجباء شخصيات هذا اللقاء الذين عادوا لمقر مدرستهم لتكريم معلمهم، فهم يستحقون الإشادة وذكر اسماءهم وصفاتهم، وقد اعتمدت فقط على ما تناقلته المواقع الإلكترونية حول هذه المبادرة ولكن لمعرفتي بأحدهم استحضرت مايكفي من الثقة بمصداقية هذا الإحتفاء مكاناً وتاريخاً ورجالاً، وهو أمين عام التحالف الإسلامي اللواء الطيار الركن محمد المغيدي الذي ظهر برفقة زملاءه وهم يحتفون بمعلمهم الشيخ محمد النمازي.
لهم التحية جميعاً، وما أروعهم من رجال شابت لحاهم على العز والمرجلة والدفاع عن المملكة وعاهلها الكبير ملك البلاد خادم المقدسات وحامي حدودها بعون الله وقوته.
هؤلاء النخبة ومعلمهم وأغلب جيلهم في بلادنا لم تشيب عوارضهم على غير
العمل الجاد والصدق والوفاء والشهامة والتضحية والإيثار.
لقد تذكرت هنا قول مبارك بن مرجان الذي طحنته ظروف الحياة وقساوتها حين قال:
شابت لحانا مالحقنا هوانا
عزي لمن شابت لحاهم على ماش
الى أن يقول:
العمر رحلة والليالي تدانا
والآدمي لو راقب الوقت ما عاش
دنيا تقلّب ماعليها ضمانا
والرابح الي سيرته كنَّها الشّاش
قرمٍ يحوش المرجلة ويتفانا
وزود على ذلك سنافي وشوَّاش.
ماشاء الله عليهم شباب هذه الدفعة من ثانوية الفواز 1398هـ ، لم يتغافلوا أو يتناسوا قائدهم القديم. وبهم يقتدي الأوفياء. وليتنا نعلم فلسفة مسمى المدرسة "الفواز" وهل لا تزال تحمل نفس المسمى القديم أم طمسته كغيره موجات العبث بمسميات المواقع والأحياء القديمة والتاريخية في بلادنا.
التعليقات 1
1 pings
صالح الشهري
23/06/2021 في 10:34 م[3] رابط التعليق
فعلا ما أجمل الحياة بوجود المحبين . وأكيد لم يكرموا استاذهم الا إنه يستحق ذلك . شكرا لمن يذكرون الناس الطيبه وهذا دليل علي وفاؤهم وصدق مشاعرهم . الله يجعلنا وإياكم أحسن مما يظن بنا الآخرين.
(0)
(0)