لم تكن الظٌروف مريحة بطريب حين كان الأستاذ محمَّد بن علي آل كدم وجيلهُ يتعلمونَ حروف الهجاء في المساجد والمدرسة. كانتِ الحياة اليوميَّة أصعب من أن توصف بالكتابة. ورُبَما لو أراد الأخ محمّد تجسيدها حاليًا بقلمه لوجد شيء من الصُّعوبة لتشعبها وقساوتها.
تعرفتُ عليهِ عام 1401هـ بالرِّياض. وكنتُ للتَّو غادرتُ الوادي الجميل نازحًا. نحيلًا محمّد كما هو الآن. ومبتسمًا أكثر ممّا تلي ذلك. كغيره حينذاك لا يتخلَّىٰ عن أجود أنواع الجاكيت حتَّىٰ بالصَّيف. والشّماغ لا تعجبه البته. فهمتُ حينها أنَّه يعملُ ما بين الصّديقينِ اللَّدودينِ مؤسستَي اليمامة والجزيرة ورُبَما غيرهما لا أعلم. والبَون الفاصل بين المؤسستينِ المتجاورتينِ كان هو نفسُه بينَ العرين وطريب أو بريدة وعُنيزة.
قالوا هذا محمد بن علي القحطاني، وهكذا عُرف اسمه عبر كتاباته الصُّحفيَّة. علمتُ بعد ذلكَ أنه هاجرَ مبكِّراً وشقَّ طريقه عصاميًا ليجدَ نفسه بين الكُتب والمطابع والمكتبات. ثم اختار أصعبَ المهن وأكثرها خطورة حين كانتِ الصَّحافةُ بلا حٍماية.
عرفتُه عن قربٍ في بعضِ جلسات السًّمر برفقةِ صديقيهِ موظفي القوات الجوية حسين بن عبدالله ومحمد بن مُسفر. إنسانًا رقيقًا ولطيفًا وكريمًا جدًا. رشيق المزاح مع من يعرفهم. كنت مغتبطًا بأنَّ ابن جهتي "طريب" صُحفي. ويكتبُ في أهمِّ صحف العاصمة. وأقرأُ له كتابات مختلفة تحمل مطالب خدمية لطريب، وكم كنتُ أعيدُ قراءتها لأسباب مختلفة.
يُنتج أ. محمّد عبر زوايا بعض الصُّحف موضوعات أخرىٰ مختلفة فكريَّة وثقافية. لم أسألهُ يومًا عن مهنتهِ الصُّحفية ولا لماذا غادرها مبكراً وهو اللَّامع بها. لكن تذكرت أنه جريء جدًا. ومشاغب مع الَّذين لديهم مواقف ضدَّ ثقافته ومهنيته وحبر قلمه. ولاحقًا أدركتُ أنّه يُحلق بشكل خطير ومؤثر حين يكتب، بعكسِ بساطة أُسلُوبه وعفويَّة طرحهِ حينَ يتحدث. فهمتُ أنَّ قلمه رُبَما كان يُزعِجُ البعض.
وهو ذكِيٌّ كصُحفيٍّ حينَ تُحاصرُهُ القراراتُ الإداريّة أو أقلام من لا يرغبونَ وجوده، خصُوصًا وأنَّه تجاوزَ بخبرتهِ وشراسةِ حُروفهِ الكثيرَ ممَّن يُباهون رُبَما بتأهيلِهم الآكاديميّ حينذاك.
أبو ياسر بلا شكَّ أنُّه عانىٰ كثيرًا وطويلًا في سبيلِ الكلمةِ والرَّأي وخدمة قضايا بلاده وتفانىٰ. وخدَمَ طريب وأجياله بقلمه وفكره وبأُطرُوحاته. وفي المقابل لم يجدْ أيّ تكريم يستحقه مع أنه لم ينتظر ذلك أو حتّى يسعىٰ إليه. الرَّجل بفكره وموهبته الكتابيَّة الصُّحفيَّة والفكريَّة لا يجاريهِ إلاّ القليل. ولا يستطيع الكثير فهم أبعاد كلماته الَّتي تبدو موجهة للشَّخص الَّذي يحاورهُ أو لجهة بعينها بينَما هو يرمي بعيدًا. يستفزك أحيانًا بلغته وأسلوبه التي تبدو هجومًا، لكن (أبو ياسر) له مقاصد وجيهة ومنطقيّة ومهنيّة وتشكّل تدريب حقيقي وتعليم بلاغيّ وصحفيّ وثقافيّ لمن أراد التَّميز.
ليس كثيرًا تكريم هذا الأستاذ الكاتب والخبير الصُّحفي الكبير والوحيد من طريب "محمّد بن علي آل كدم". وهو من المثقّفين على مستوىٰ المملكة. وهو المخلص لدينهِ وبلادهِ.
ليس غريبًا ولا كثيرًا وضع اسْمَه وهو الوطنيّ الوفي علىٰ أحد شوارع طريب. فهو الأولىٰ بما قدمه عمليًا وبالأسبقية المكانيّة من البارودي والعشماويّ وغيرهما. والأقربون أولىٰ بالتّقدير. مع الاحترام لهم جميعًا. وله علينا نحن أصدقاءه وإخوانه واجب التّكريم المعنوي الآخر بمسقطِ راسه الذي أحبه وأصر أن يعود إليه بعد غياب طويل ليكون مقرّ إقامته. يستحقُّ التّقدير.
التعليقات 6
6 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓
أحمد سعيد ال ناشط (ابوبسام)
11/07/2021 في 2:56 م[3] رابط التعليق
رمز وأعلامي وصحفي راقي بمعانيه وعطائه وبالفعل سعادة الواء ،تكريم الأستاذ /هو تكريم لعطاء لوفاء لقلم رسخ أسمه في ملامح تلك المحافظه الأبيه وأهيب بالجهات الحكوميه بمحافظة طريب وعلى رأسهم محافظ طريب داعم النجاح وروح الشباب الأستاذ /محمد بن سعيد ال عامر ان يكون هنام يوم بأسم يوم الثقافه الطريبيه ويكون هناك حضور لمثقفي ومؤرخي وكتاب محافظ طريب الذي أخفاهم الزمن ووسائل التواصل الأجتماعي ،، ويكون الأستاذ محمد هو بطل ذلك اليوم الثقافي بتكريم رسمي وبحضور زملاء دربه كتاب وأقلام طريب البارزه لنصنع من طريب حقيقية الوفاء وكي يكون الزائر والمار بتلك المحافظه يستذكر جيدا انها مسقط للمواهب والوفاء أمثال الأستاذ /محمد علي ال كدم ابو ياسر ،،اكرر شكري لسعادة الواء /عبدالله القحطاني على هذا الحس والشعور النبيل
(0)
(1)
مبارك علي بن حجيل
11/07/2021 في 5:36 م[3] رابط التعليق
هنئ لطريب ان ابنها عبدالله غانم القحطاني
الوفاء وحده من يدوم 🌹
(0)
(0)
حسين ال ضبعان القريشي ابوقصي
11/07/2021 في 6:17 م[3] رابط التعليق
لا فض فوك ياسعادة اللواء عبدالله بن غانم فاابوياسر يستحق الكثير والكثير من التكريم سواء على مستوى القبيلة ( ال قريش ) او على مستوى المنطقة ( طريب ) وليس بغريب الطرح الراقي من سعادتك تجاة رجل الاعلام المخضرم ابوياسر اطال الله في عمره واعمارنا جميعا على طاعته فشكرا من الاعماق لشخصك العزيز على ما ذركرت وانت كذلك تستحق التكريم وبالتوفيق
(0)
(0)
مسفر قضعان العايذي
12/07/2021 في 3:37 م[3] رابط التعليق
يستاهل التكريم أبا ياسر ولماذا لايحمل أحد شوارع طريب الرئيسيه إسمه كما هو معمول به في بعض مناطق المملكه ، لماذا يوضع إسم شخص مايعرفه ولم يسمع به إلا القليل ، حتى صعب نطق إسمه على العامه ، فأبناء طريب أولى بالتكريم من غيرهم
(0)
(0)
سعيد ال نعمه
12/07/2021 في 8:24 م[3] رابط التعليق
أضم صوتي وطلبي. مع الأخ عبدالله بن غانم لتكريم هذه القامه الاستاذ محمد بن كدم وذلك لأنه من أول الصحافيين في المنطقه الجنوبيه الذين عملوا في الصحف الكبرى بالمنطقه الوسطى في وقت لم يكن احد يجرؤا للعمل في هذا المجال ولندرة الكتاب والصحفيين. دخل هذا المجال وقد أثبت ابو ياسر وجوده مع العمالقه من كبار الصحافيين من داخل الوطن وخارجه الذين كانو يعملون في صحفنا. عملت بعدة بسنوات في ذات المكان أثناء دراستي للإعلام في جامعة الملك سعود ووجدت ذكره الحسن وأثره الطيب بين الصحافيين وأنا لا أعرفه شخصيا. ولكن الصدفه الثمينه جمعتني به.،،، ونعم الرجل،،،،
متعك الله بالصحة يا أباياسر
(0)
(0)
محمد الجــــــابري
08/09/2021 في 4:32 م[3] رابط التعليق
أحسنت ابا منصور وكلنا يقول “بارك الله في قوم اكرموا نبلائهم واعلامهم” ..والحقيقة انك ايضا تستحق التكريم فلك كل الشكر حين مارست وبذلت كل جهدك في الدفاع عن الوطن باليد والسلاح والطائرة ثم واصلت المنافحة عن بلادك والمقارعة الدائمة مع الاخصام ..
ان الاستاذالعلم /محمد بن علي ال كدم يستحق كل اهتمام من الاباء والابناء والاحفاد بالاخص بطريب المجد وارض البطولات وله الاولوية بالتكريم من المدارس والامانة والسكان بلا منة..وهذا اقل ما يمكن ان يقدم لسعادته وكونه من اوائل الصحفيين السعوديين..
تحياااتي ابا منصور وموصلة الى حبيب الطريبيين ابا ياسر الغالي ..حفظكما الله وابقاكما ..
(0)
(1)