كانت البيوت في الزمن الجميل تنعم بالهدوء، والألفة، والمحبة.. تتسامى بتوريث القيم الدينية، والإنسانية لساكنيها، وجيرانهم، وجيران جيرانهم، بل أن الحيّ والحارة يتقاسمون الحزن قبل الفرح، ويتنافسون في الإيثار، قلّما تجد خلافات حادة وقيل وقال، إذ قد يختلفون الصباح ويجتمعون المساء يحتسون القهوة يتضاحكون، ويسمرون بلا حقد ولا حسد ولا ضغينة .
البيوت في السابق ساكنة، تكاد لا تسمع إلا حكايات النساء اللطيفة، وضحكات الأطفال بكل براءة، ورغم تقارب البيوت من بعضها في الحارات الطينية المشبعة بالنقاء لم تكن أسرارها متاحة إلا في حدود ما يجب، فلا كف فتاة تتزين بأظافر طالت وطليت بالمناكير يراها القاصي والداني!
ولا أساور يتزين بها معصم شاب يافع يتعمد أن يلفت الأنظار إليه وكأنه يفتقد مفاتيح سحر الشخصية فيعلن عن نفسه بقصة شعر غريبة مع أساوره!
ولا طبق لم يصنع بحب ليؤكل، بل ليصور ويعرض للناس ويتباهى به ولا امرأة خلعت بكل صفاقة رداء الحياء فكشفت من زينتها أكثر مما اخفت !
ولا حكايا حميميّة بين زوجين جمالها في سريتها تنشر على الملأ بلا خجل ولا حياء! ، ولا رجل تجاوز الأربعين تخلى عن وقاره وهيبته فرفع صوته بالسخيف من النكات والطرائف والمقالب الغبية.
تعدد لصوص الخصوصية الأسرية فما بين سناب بريء من تصرفات التافهين، إلى ألعاب إلكترونية دُسّ فيها السم كالعسل للناشئة والأطفال، فاستهلكت أوقاتهم، ودمرت قيمهم، وأنهكت أجسادهم، وصحتهم، مرورا بالخادمات وما أدراك ما الخادمات! القنابل الموقوتة في المنازل، لاسيما وتطبيق التيك توك، والفيس بوك تعدّها الخادمات من الضروريات لديهنّ وليس من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها!
التك توك يعج بالعديد من المقاطع المؤلمة، والخصوصية المنتهكة من قبلهن، فلا دين ولا رادع يمنعهن من تصوير كل شبر في المنازل وتصوير أهلها دون خوف أو وجل! فأصبحت معه منازلنا مستباحة وأسرارنا لم تعد أسرار، وخصوصيتنا ضُرب بها عرض الحائط!
الخطب جلل، والوضع خطير جدا، والمسؤولية أولا وأخيرا عليك رب الأسرة وشريكتك، فلا أحد يستطيع منع من هم في ولايتك من استخدام التقنية في غير ما وجدت له! هنا فقط تظهر قدرتك وقوة تأثيرك حين تمنع حدوث مثل هذا الاختراق المخل لخصوصية منزلك ونشر أسرار عائلتك سواء بقصد أو بجهل .