يفرط عدد كبير من العائلات في الخوف على أبنائهم وحمايتهم بشكل مستمر من جميع النواحي كبيرة كانت أو صغيرة منذ ولادتهم وحتى تقدمهم بالسن نسبيا باعتقادهم أن تلك هي من صفات الأبوين المثاليين وأنه بدورهم يتوخيان أفضل السبل في تربية وتنشئة أبناء متوازنين وبعيدين عن المخاطر التي قد يواجهها الطفل في فترات حياته
مما يسبب ذلك للبعض ولا أقصد بالبعض عدد بسيط ومحدود بل الغالبية ممن نشؤوا تحت هذه الحماية المبالغ فيها في أمور عديدة بحياة الابن مسبباً ببناء شخصية اعتمادية اتكالية ضعيفة للأبناء لأن الآباء بدورهم مسكوا زمام الأمور في شتى قرارات الأبناء في حمايتهم قد تصبح مضرة عندما تعيق تطورهم
أيضاً حماية الأبناء لها إيجابيات بالتأكيد ولكن إيجابيات لحظية محدودة ولكن مهمة وتشعر الأبناء بالأمان والطمأنينة وذلك يكون عامل أساسي في الاستقرار النفسي لديهم لكن إذا تحول هذا الإحساس إلى سلبية واتكال تام على الوالدين شيئا فشيئا يسبب شعور بسوء تقدير الذات وقد يجعلهم معرضين للتنمر من قبل أقرانهم وذلك بدوره يسبب عزلتهم وميلهم إلى الانطوائية مع مرور الوقت
ذكر الدكتور اسامة الجامع المتخصص في علم النفس أن الفرد يفتخر كونه مستقلاً ويحل مشكلاته بنفسه إلا أن بعض أنواع التربية "نمط الحماية المفرطة" تخلق شخصية اعتمادية فيصبح الفرد متخوفاً من العمل لوحده ، يخشى الانطلاق في الحياة ويرغب بأحد معه بشكل مستمر
لايكون الفرد تحت جناح والديه باستمرار فعندما ينطلق للحياة وحدة يكون عاجز عن توجيه نفسه ذاتياً و ذو خبرة ركيكة ، فقد اعتادوا دائما لوجود شخص بجانبه يسعى لتحقيق رغباته واحتياجاته حتى لو كانت بسيطة وبمجرد ابتعادهم عن الابن يصطدم بالواقع ولايجيد التعامل مع الأمور بمفرده
بالتأكيد كل الآباء حريصين على تنشئة الطفل بشكل صحيح وسليم وبعيد عن المخاطر بشتى أنواعها متناسين بذلك أن الطفل سيعيش حياته بمفرده ويكون مسؤول عن أسرة تعتمد عليه في تقوية شخصية الطفل هو كل مايحتاجه في الوقت الراهن أو لاحقاً ، ويجب تقوية شخصية الطفل بالابتعاد عن هذا الأسلوب من التربية
سأذكر موقف واحد من المواقف التي قد يراها البعض بسيطة لكن بدورها كانت ذات أثر كبير في بناء شخصيتي في مرحلة الطفولة وتحديداً بعمر الست سنوات ، أحد هذه المواقف كانت في سوبرماركت ضخم جدا نزلت إليه مع والدي لشراء بعض من مستلزمات البيت ، ناولني والدي مبلغ وأتذكر ماقاله لحظتها بالحرف الواحد "انتي يابنتي كبيرة اعتمدي على نفسك وجيبي الأشياء الي ناقصتك ونتقابل عند باب الخروج " طبعاً لا أعرف ماذا كنت أريد اساساً ؟ ولا أعرف الأقسام ولا أعرف كيف أحاسب ؟ أو أتكلم مع شخص غريب دون احد والديني ؟ مشى قبلي واخذ عربة تسوق وكان هدفه أن يرشدني إلى مكان العربات واختفى ، رهبة الموقف كانت كفيلة بجعلي اركض أبحث عن والدي لكن لم أجده ، ذهبت لمكان عربات التسوق وأخذت واحدة ولم أستطع حملها مع أنها صغيرة ولا أعلم السبب وقتها لكن الآن أعرف أن السبب كان خوفي وارتجاف أصابع يدي ، زال الخوف والرهبة شيئاً فشيئاً ولم أتسوق غير ثلاث قطع كيك : واحدة لي ، وواحدة لأبي ، والأخرى لأمي ، وعند المحاسبة أعطيت المحاسب المبلغ كاملاً ومشيت والكيك بيدي حملته دون كيس "ممكن نسيت الكيس من الوناسة اللحظية " كان والدي متواجد خلفي ولم أعلم ذلك إلا بعدما مشيت ، مبتسماً ، وإلى الآن هذا الموقف ذو أثر عميق جداً بداخلي ، وذو أثر كبير لحظتها وكنت أتفاخر أمام صديقاتي في أول ابتدائي بأني شخص كبير فاهم عاقل لا أحتاج إلى أبي لشراء ما أريد "إلا لأمواله فقط"
ندى عبدالله القبالي
@nadaabdullah_2