من السرية إلى العلن وبعد إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان استعداد بلاده استئناف العلاقات مع السعودية في أي وقت، ووصف الحوار بين طهران والرياض بالإيجابي والبنّاء ، كاشفا عن عودة ممثلي إيران لدى منظمة التعاون الإسلامي إلى مقرها في جدة خلال أيام، وانتقلت المحادثات السعودية الإيرانية بدون شروط مسبقة، تواترت التصريحات من الجانبين أكدت طهران أكثر من مرة على لسان مسؤولي خارجيتها أن المفاوضات وصلت إلى مرحلة متقدمة وتمضي في مسار جيد، ردود فعل متباينة يبدو أن المحدد الأول فيها تطلعات الطرفين ، ترغب طهران أن تكون شريكا في المعادلة الأمنية الإقليمية دون خسارة نفوذها مقابل كبح تهديدات الفصائل المسلحة التابعة لها، أما الرياض فترفع سقف توقعاتها بأن تغير طهران سلوكها في المنطقة وتحترم سيادة الدول وفق المعايير المتعارف عليها، تقدم مفاجئ في المحادثات من المفترض أن تفصله الملفات الثقيلة العالقة بين البلدين وقف الحرب في اليمن، والدفع نحو تسوية سياسية، أمن مياه الخليج، وتخلي إيران عن طموحاتها النووية، هي الملفات التي دفعت الطرفين إلى الجلوس حول طاولة الحوار لكن هذا بالمقابل لن يكون مفاجئاً لمن يعي الحراك السياسي المناهض للنظام في الداخل الإيراني، فبينما تقوم السعودية بهجوم دبلوماسي دقيق على إيران تقود السعودية قوات التحالف بهجوم ميداني قوي ومكثف على أتباع طهران في اليمن، ومن زاوية تحجيم الأعداء عن بعد نرى أن شأن الداخل الايراني يحوي كمية زخم مظاهرات مهولة قائمة فشبع إيران السياسي يواجهه جوع في عمق أصفهان وطهران. وطرق قمع وحشية مورست ضد المتظاهرين العزل من خلال إصابة أعينهم واقتلاعها كي لا يعودون للساحة مرة أخرى مروراً بأساليب تنكيل وقصف مدفعي وحملة اعتقالات واسعة.
لن نغفل إذاً عن حجم امتعاض الشعب الإيراني ومقتهم لسياسات طهران حيث قام متظاهرون من وحدات المقاومة المعارضة في شهر كرد بإحراق تمثال قاسم سليماني بعد ساعات فقط من إزاحة الستار عنه، كما أضرمت الوحدات نفسها النار في لافتات كبيرة وصوراً لسليماني وخامنئي في العاصمة طهران ومدن أخرى، السلطات الرسمية الإيرانية باشرت ذلك بتصفية وملاحقة صانعي الشغب كما ادعت وعدم ترك من تطاولت أيديهم على المساس بالرموز الثورية والدينية محاولةً بنفس الوقت إغلاق الموضوع وإنهاءه، لا يتوقف شأن البيت الإيراني لهذا الحد فحسب بل امتد الكره الشعبي لأهل العمائم هناك الممثلين برجال الدين ما يؤكد أن رجال الدين في إيران يواجهون الكثير من الكراهية والحقد المتزايد والحرج كونهم محور شر ونكسة للبلاد وجاء هذا النبذ والكره بعد انتشار واسع لمقاطع فيديو ظهر من خلالها بعض رجال الدين وهم يعتدون على مواطنين إيرانيين أثناء المظاهرات.
ليخرج الداخل الإيراني عن صمته ويبدأ المواطنون هناك بإهانة كل من يجدونه يعتمر عمامة على رأسه ما دفع محمد تقي فاضل وهو باحث إيراني بقول: إن الكثير من رجال الدين يذهبون إلى الأسواق بلباس مدني وليس بلباسهم المعهود لأن الناس تهينهم وتضايقهم.
لازال الامتعاض شديداً وملموساً لغضب المجتمع الإيراني برمته تجاه رجال الدين الَّذين بدأوا الانسلاخ والخروج من عباءات الملالي مطالبين الشعب محاسبة فرعونهم الأكبر الذي نصّب نفسه إلهًا هناك، حتى على صعيد المرشد نفسه فقد ظهر سابقاً ابن شقيقة المرشد الإيراني محمود مراد خاني عبر قنوات ولقاءات لفضح فساد نظام بأكمله و كشف أسرار نهب خامنئي لثروات الشعب من أجل تحقيق اطماعه المذهبية والتي لا تكترث لقضايا الفساد ولا المجاعة أو الفقر.. فاخر ما يهمه هو المواطن الايراني.. والذي قال من خلال لقاءات أنه ينقل ألم شعب وجب أن ينهض شعبٌ مل الدمار والحرب الذي كان سبباً في تأخر إيران وتخلفها.. وأن غالبية عظمى من الشعب الإيراني لا يريدون استمرارية هذا النظام.. وبينما ما يمجد نصر الله داعمه الخامنئي يمزق الإيرانيون صورة في شوارع طهران بعدما اذاقهم ويلات الفقر و الجوع والقمع ما يعني حتمية إزالته .. في العاجل القريب إن استمرت هذا الاحتجاجات بشكل أوسع وتم الأخذ بها والتعامل معها.. وعلى صعيد ذكر حزب الله وبقية أذرع طهران في المنطقة والتي سنقوم بذكرها لاحقاً ، نجد أنه لا يختلف عن حال ما يحدث في القلب الإيراني فهو يعاني كرهاً شعبياً واسعاً ليس كأي وقت مضى وأن هذا الحزب بات يغرق وأن ارتباط فشل لبنان لفشل سياسة الحزب و عنجهية ممارساته مع دول الجوار ما أدى لقطيعة وتأزم اقتصادي حاد لا تحتمله لبنان، ما جعل أصواتاً في بيروت تهتف لنبذ الحزب المتطرف والغاء هيمنته وكسر يده
وأصبح سمير جعجع اليوم ورقة يراهن عليها الشعب اللبناني ويضع كل آماله عليه، حتى صار كلمة السر لقرب نهاية وشيكة على حزب الله وأتباعه، سمير جعجع الرجل الذي تتصاعد شعبيته في الشارع اللبناني يوما بعد يوم في مقابل تراجع نده ميشيل عون الممول والحليف لأذرع طهران.
يقود سمير جعجع تيارا عريضا من المسيحيين اللبنانيين والسنة ومزيج مذاهب لا يستهان بها ولا في ثقلها العسكري والمدني، والذي بات الآن هاجسا يؤرق الوجود الإيراني بأكمله، وعلى صعيد بقية أذرع طهران و في فلسطين ظهرت خلافات حادة ومشتعلة بين إسماعيل هنية وخالد مشعل قادة حركة حماس والتي تنذر باقتتال داخلي في صفوف الحركة، الحركة التي تعتمد على جناحين فجناح إسماعيل هنية يرى أن مستقبل الحركة مرتبط بإيران.. وجناح الآخر يرفض هذه الرؤية ويسعى لاستعادة رعاية القوى العربية الأكثر اعتدالاً، جناح مشعل الذي يرأس الآن عمليات الحركة خارج الأراضي الفلسطينية بدأ بتفعيل سياسة الانفصال عن النفوذ الإيراني.. الصراع بين هنيه ومشعل محتدم.. وأن هذا الخلاف المستتر داخل حماس ظهر للكل بعد الانفجار الهائل الذي وقع في مخزن تابع للحركة في مخيم البرج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في لبنان فالأسلحة التي كانت موجودة في المخزن تصنع بتوجيه إيراني، حيث اسفر الانفجار عن مقتل عنصرٍ واندلاع اطلاق نار بين أعضاء حماس وحركة فتح ومقتل ثلاثة أشخاص آخرين .
ما يزيد الطين بله لحماس هو تأرجحها على شفا الإفلاس بعد وقف كل المساعدات للحركة من حلفاء سابقين وذلك بسبب ارتباطها بإيران والنظر اليها كأحد أذرع طهران العسكري في المنطقة..
وجاء توقيت انفتاح الجانب الإيراني على السعودية متزامناً مع تصاعد ضغوطات على الحدود الإيرانية الأفغانية خاصة بعد صعود قوى طالبان التي افتعلت اشتباكات خطيرة اسفرت عن سيطرة تامة لنقاط تفتيش خاصة بالجانب الايراني منذ شهرين، وتم حل الخلاف بحجة أنه سوء تفاهم فقط ..! باتت طالبان قنبلة موقوتة في وجه تمدد الملالي والوصول الى نقطة تفاهم مع السعودية ستقلل احتمالية تمويل طالبان ولكسر هذا الرعب فالعلاقات يجب أن تعود..
وهذا ماحذر منه وزير خارجية إيران السابق محمد جواد ظريف "بأن إيران إذا جعلت من نفسها عدوا لطالبان، فستحاول عدة دول خليجية تمويلها لاستهداف طهران وإضعافها وصرف انتباهها عن العراق والدول التي تمتلك فيها إيران أذرعا سياسية وعسكرية".
أما على الصعيد اليمني
حققت قوات التحالف تقدما عظيما وواسعا من خلال عمليات متشعبة جوا وبحرا وبمساعدة من الداخل اليمني كألوية العمالقة بتحقيق إنجازات واهداف جديدة بعد تحرير شبوه و بيحان وغيرها، ما زاد من الضغط على الداخل الحوثي ما جعلهم يلوذون بالفرار وعالجت إيران هروب جماعات الحوثي من خلال نصب كمائن لهم كيلا يتراجعوا فإما القتل من القوى الايرانية او الموت بيد قوات التحالف أدرك جزء من الجماعة اللعبة الايرانية متأخرا فهي تدفعهم للموت جزافا غير آبهة بهم حيث باتوا كبش فداء.
يجب أن نؤمن يقيناً بأن ايران تعاني من ازمات على عدة جبهات وأصعدة في الداخل والخارج فبين بأسهم العسكري وبؤسهم السياسي بدأت تتحرك على ايقاعين ، ايقاع تهديد بإنهاء ملف التفاوض والحوار تارة ، وايقاع يدعو لوضع ورقة تفاهم وخلق تقارب دبلوماسي بين بعض الدول تارة أخرى والوصول لحل نهائيّ .
باتت إيران الآن قاب قوسين أو أدنى من الخنوع لكل ما تكره من أجل الخروج بأقل خسائر ممكنة وبمبادرة صلح وتفاوض تحفظ ماء وجهها الإقليميّ وأن عامل الوقت يهدد مستقبل وجودها برمته.
ومبادرة استعدادها فتح حوار بين طهران والرياض ماهو إلا اعتراف بتقدم المملكة العربية السعودية سياسياً واقتصادياً و عكسرياً ويؤكد تفوق محمد بن سلمان في كسب تأييد إقليمي وعالمي لايقبل الاختلاف أو الشك وهذا ما أكده حسن علي العماد سابقاً بأن محمد بن سلمان يُحكِم قبضته على إيران وهو أحد القيادات الحوثية في اليمن وأبرز مرجعيات الفكر الطائفي الإيراني هناك والمعروف بـخامنئي صنعاء ففي إحدى لقاءاته أكد بأن السعودية ستكسب الحرب والإقليم داعياً حينها لوجوب إيقاف هذه القوة كي لا تكسر المد الإيراني وتقطع أهم أذرعه والذي بالمقابل وعلى سبيل الذكر تم إلقاء القبض عليه من قبل السلطات اليمنية أثناء محاولته دخول العاصمة صنعاء..
رغم كل ما سبق واختلاف الرؤى ورغم ماطرح لهيان من استعداد بلاده استئناف العلاقات مع السعودية هل تحاول طهران كسب عامل الوقت كي لا تتعرى من الإقليم ؟ أم هي رغبة جادة في العودة إلى علاقات طبيعية في إقليمٍ واحد.؟!