المجتمعات في العالم بأسره تضج وتموج بالمتناقضات، واختلاف المفاهيم، وانتكاس الفطرة، وازدواجية المعايير، وتقلب أحوال الناس مما يجعلنا في حَيرة من أمرنا فلا الأيام هي الأيام ذاتها، ولا الناس هم الناس ! الكل في تغير دائم فما تعرفه اليوم يختلف عليك غدا، لم نعد نمتلك دفّة تسيير المركب في بحر المتغيرات المتلاطم وتكاد بوصلة الثبات أن تتحرك بالكثير الا من رحم الله..
تصرفات الآخرين أصبحت غير متوقعة ولا يمكن التنبؤ بالافعال وردودها فحين يصدمنا تصرف أحدهم بصورة مفاجئة! هل يجب علينا تقويمه وتعديل سلوكه حتى وإن اضطررنا إلى بتر جزء من ثقتنا به؟
أو ينبغي علينا التماس العذر له كي لا نخسره من باب خسارة الجزء أهون من خسارة الكُلّ !
سياسة الباب الموارب سياسة الحكماء والعقلاء، فلا إسراف في الثناء، ولا تفريط في العقوبة، فالوسطية والتعقل خير من التشدّد والتهور، وهذا دليل قوة وحكمة وليس ضعفا وتخاذلا، لا سيما مع متغيرات العصر في كيفية التعاطي مع كل المواقف الحياتية المختلفة، وهنا تلزمنا شعرة معاوية إن شُدّت أرخيناها وإن أُرخيت شددناها، فالحياة قصيرة لا تقضى في مُناكفات ومنازعات وجدال لا طائل منه ولا فائدة..
هناك من لا يفهم ولا يُقدّر، وهناك من يفهم ويتجاهل! فمثلا حين نختلف مع أحدهم ونجاهد لشرح وجهة النظر يبدأ ( بشخصنة ) الموقف ويصرّ على رأيه الخطأ بل ويزيد عليه هيجانا وبذاءة إمعانا في التحدي والاستفزاز !
فهل من الحكمة وبُعد النظر أن نلجأ إلى سياسة الباب الموارب لتقويم سلوكه ومنع استمرار الخطأ سدّا للذرائع؟ أو إغلاق الأبواب بإحكام حين يسدرون في أخطائهم!
لِم لا نترك فرصة للآخرين بترك الباب مواربا للتراجع ونفاذ بصيص من ضوء للحقائق المجردة أمام أعينهم لعلهم يعودون! فإن أحسنوا أثنينا ووقفنا إلى جانبهم، وإن كان عكس ذلك تصدينا للتيار الذي يكاد يجرفهم إلى غياهب الخطأ والظلم والضلال..
سياسة الباب الموارب لا تعني عدم القدرة على المواجهة بل بالعكس هي تمنحنا وإياهم فرص قد لا تتكرر في المحافظة على خط الرجعة للمخطيء دون جرح لمشاعره، و فرصة لنا في إعادة ترتيب أولوياتنا مع الآخرين فلا اندفاع وراء وهم أن آرائهم دائما هي الصواب، ولا بناء حاجز سميك تعجز وجهات نظرهم عن اجتيازه وبالتالي الوقوف ضدهم فقد نكسرهم أو نتسبب في ضياعهم!
دعوا أبواب العفو والتسامح مواربة لا تغلقوها بإحكام، ولا تدعوها مشرعة طوال الوقت.
كتبه : أ. جواهر الخثلان