هل ألزمن دوّار؟. إذا كان كذلك فهذا يعني أن الماضي سيعود. الزمن يطوي نفسه ويسير في إتجاه واحد ولا يعود للورى أبداً. نحن الناس أقل أستيعاباً للزمن وفهم مجرياته وقوانينه التي يعلمها الله تعالى. هو الشاهد الصادق على الأحداث والأقدار التي تعصف بكل حي وجماد بأمر الله، قاع البحر وقمم الجبال وباطن الأرض، هو الموثق لتغير الشوارع ورحيل ساكنيها وأختفاء الأسواق وزوال الحضارات وفناء الأقوام والنوادي والمدن وظهور غيرها بعلم الله وتقديره.
يمضي هذا الزمن خلال فترة إعمارنا فنرى جفاف المياه، وموت النخيل واختفاء الزروع والبساتين وتصحر الواحات الغنّاء وكأنها لم تكن. الزمن يشير بهدوء إلى تحطّم المتكبرين وانهيار الجبابرة وتحولهم من القوة إلى أجساد ضعيفة وذاكرة أضعف، مسلوبي الإرادة، وجوههم منهكة ومخربشة، ونظراتهم تثير الشفقة فيتعاطف معهم حتى الذين تضرروا سابقاً من عجرفتهم وظلمهم. كم شخص رأيته هكذا؟.
لكل شيء إذا ما تمّ نقصان / فلا يُغرّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دُولٌ / من سره زمن ساءته أزمان.
كم مرة تغيرت الأشياء أمامك وأختلفت عمّا كانت عليه في القريب السابق وبعضها زال للأبد.. كم رأت عيناك موجات من البشر المتعاقبة ثم أختفت، كم مرة نسيت الأسماء والمواقف حتى رفاق دراستك.
ما علينا.. الحمد لله نحن سعداء هانئين وأفضل رخاءً وبهجةً ممن سبقونا مع أن الناس قديماً تقول بشرق عسير "الزمان علينا مايل"، يقصدون الظروف الصعبة والجفاف، وأعتقد أنهم هم السبب، أيش اللي حدهم على أماكن جافة مغبّرة وخشنة!؟، ورطونا رحمهم الله، ليش ماراحوا واستقروا بأمكان أفضل، جبال السراوت أو سواحل تهامة أو على الأقل بالخرج. يعني لازم نعيش صحروايين ونستمتع بنكد وحقد البعارين وصفير الرياح الموحشة.. الجمل..، الجمل سلمكم الله معروف بحقده القاتل إذا أُهين، لا ينسى ولا يعفو بل يصبر إلى حين -تأثرنا به- ، دبلومسي يهادن غريمه ويتظاهر بالصداقة ويتربص به ريب المنون حتى يتمكن منه ويسحقه سحق الملوخية بالخلاّط. في المقابل هناك دهاة من الرجال يتفوق ذكاءهم وتفكيرهم على حقد الجمل والخميني وصحيفة الوشنطن بوست. خذ عندك الفارس المعروف: عايض بن جبران بن غيده "رحمه الله"، هذا له قصة مع بعيره، فقد كان في مسير شاق بعمق الصحراء ويبدو أن الجمل شاب ومتعافي مايستمع لأحد مثل طالب الثالث ثانوي، قطع القياد وشرد، فلحق به الرجل وتحايل عليه حتى أمسك بذيله وأخلَّ بتوازنه ثم جلده لكي يسدحه "يبرّكه" ويكسر تمرده وغروره، وبالفعل رُغاء الجمل يعني إستسلامه، تصالح الإثنين وأكملا الرحلة بحذر فكلاهما يفهم الآخر، غربت الشمس فأناخ البعير وحط رَحْله، وهو شخص بدوي عنيد وقوي معروف بشدته وجديته وصلابته ونظرات عيونه الحادة، المهم أدرك الفارس بن غيدة أن الجمل خلال الليل سينتقم منه!، فجلس في مكان قريب ليراه الجمل بوضوح ويطمئن، وفي العتمة تظاهر البدوي الإستراتيجي بالنوم ووضع بجانبه ما يشبه السربال "الكيس" مملوء بأعواد الحطب ومواد صلبة وناعمة لتبدو كالشخص النائم، ثم أنسحب بهدوء وجلس في مكان آخر يراقبّ!. ياللهول الجمل راسه كالرادار وعند منتصف الليل تحرك رويداً يزحف نحو مكان الفارس حتى برك على السربال معتقداً أنه صاحبه وأخذ يطحنه ويسحقه ويعجنه إلى أن أشفى غليله!. وفي الصبح تفاجأ الجمل بضحكات صاحبه وهو يقول له "كذا يا عقبان"!، وأكملوا الرحلة بسلام. رحم الله الفارس الجد أبو ذيب صاحب تلاوة القرآن بصوت عالٍ على الطريقة النجدية، وكأني بحوقلته الباكية "لاحول ولا قوة الا بالله" حينما يصل لآيات النار والوعيد، تذكرت نظراته العجيبة وشكل عمامته البيضاء وسخريته ممن لا يفهم نواميس الصحراء ورجالها. أقترح على بعض المجالس الأهلية التي لم يعطيها أحد وجه بجلب ثلاثة بعارين حاقدة علّها تسحق كل من يستهتر بالأنظمة، وتفرم كل صبي لا يرفع رأس والديه بالتعليم والذرابة والمرجلة، وعلّها تهشم عظام كل شخص يعنف الطفل أو يعذب المرأة.
غداً نلتقي بعون الله.
التعليقات 1
1 pings
أبو إبراهيم
06/04/2023 في 8:07 ص[3] رابط التعليق
أبو منصور فيه قصة للجمل مع عايض سوف أرويها لك في جلسة في البستان فيها دلة وبراد وترى العجب
(0)
(0)