ربما يكون هذا حديث السَّحر الأخير لهذا العام ١٤٤٤هـ، راجياً من الله العلي القدير أن يعيده علينا وعلى بلادنا بالرخاء والأمن والإيمان. سامحونا أهلنا بطريب ومتابعي السحر إن كان في أطراف الحديث ما أزعل البعض أو فُهم خطاءً بغير مقصده أو أنه كان يقصد أحد بإسمه وماضيه أو حاضره.. كلا.
اللهم سامحنا جميعاً فأنت الكريم. وجلّ من لا يخطئ. وقد ذكرت أنه تبقى لي "١١" صديقاً وزميلاً بالوادي ولكن بعد المراجعة وجدت أنهم فقط "٣" لا أكثر، ولم أنتبه لدلائل ذلك، فخلال العودة القصيرة شبه السنوية للوادي أجد القليل جداً فقط الذين أعرفهم بنبضات قلوبهم سواء في السوق أو الشارع أو الجامع، بعُدت المسافة وتقطعت الأواصر وتعاقبت أجيال أخرى، والكل منشغل بحاله وجواله ثم عياله، والراحلون ممن نعرفهم أكثر من الباقين من أبناءهم. فلنتسامح جميعاً وندعوا لأحياءنا والأموات بالخير، ونحسن الظن ثم نحسن الظن وثالثة فلنحسن الظن ببعضنا ونكفر بوساوس الشياطين وسوء الظنون ونتبرأ من الكراهية.
ومن حقنا على مسؤولينا بطريب حماية أبصارنا وصغارنا وذائقتنا من التشوه البصري اليومي الذي يشكله هؤلاء المساكين من الصبيان والشباب ذوي العصابات الداكنة المتخلفة ومسدسات الجهل. حاسبوا من يعوم في الشوارع وينقطع عن الدراسة ومن يعكس حركة السير بالطرقات ويشوه صورة الجمال بسوء التصرفات في البقالات والمقاهي والساحات، حاسبونا جميعاً على مخالفة الذوق العام باللباس والكلام ورفع الصوت، لا تهملون كرماً تلك السيارات من فئة الجيوب المصندقة الغبراء والبيضاء المخيفة شكلاً وسلوكاً دون رصد خاص وتقديم هاجس التخوف على الثقة، كل الأنظمة والقوانين وعقوبات الجرائم معكم وتؤيدكم وتحميكم. نرجوكم لا تسمحون لشاب ينفصل عن الدراسة والمدرسة مهما كانت الأعذار، من تركها فهو مشروع جريمة قادم وإرهاب وإنحراف، أعيدوه بالقوة المقنعة له ولعائلته، هذا ضمن أدواركم الإستراتيجية غير المكتوبة التي تحمي البلاد وتهذب العباد.
سامحونا أهلنا بالوادي الجميل فقد إضمحل وجف الحنين إليكم ولمرابعكم ولا أعلم السبب لكن أعلم أن للعمر مراحل وأن زهرته حين ترتبط بمواقف وأشخاص وظروف وذكريات فذلك يعزز الإشتياق إليها ويُلهب الحنين لها واللهفة لمعانقة الأحياء بها حتى شجر الطلح والنخيل ورؤية جماداتها بما فيها جبل زيد وأم الذبان وأبو شداد وأبرق الحنشان والفراش وبن ذميل وجخر. بصدق كان هذا الحنين حالة مرضية عانيتها طويلاً لكل شيء هنا بين هذه الجبال والشعاب وذرات الغبار وقوافل الطيور المنقرضة وتلك الأحياء السكنية الصغيرة المتناثرة المندثرة بلونها الخارجي الأغبر ناصعة البياض من الداخل. كل شيء ينمو ثم يتغير ثم يضمحل.
وقفة؛ كنّا يوماً قديم، بوقت السحر قادمين من الربع الخالي بعد مهمة عملياتية للتزود بالقود جواً تتقنها بفضل الله قواتنا الجوية الشامخة ليلاً ونهاراً وفي كل الأحوال الجوية المختلفة وبتفوق عالمي. تلك المهمة الليلية عند السَّحر تخللها أحوال جوية صعبة للغاية، تباشير الفجر تتضح بصعوبة من خلف السحب الركامية، دخل وقت صلاة الصبح، وخشية خروجه صلينا بقلوب تهفوا للكعبة لكن الحقيقة أن أجسادنا أتجهت لكل وجهة بمدار ٣٦٠ درجة، أنتهت المهمة بنجاح ولا نستطيع العودة للقاعدة الأم فأخذنا التوجيه بالهبوط بالقطاع الجنوبي وبدأ النزول التدريجي عبر طبقات السحب والمطر الغزير وكتل الثلج -الهدف من ذكر هذا الموقف هو حالة حنين مُرهقة مفاجئة حينها-، لا مجال لرؤية الأرض من ارتفاع شاهق مع حالة جوية ركامية كتلك، وفجأة على إرتفاع متوسط إذا بنا تحت سقف السحب متجهين غرباً وإذا بحي "الحدباء" بطريب أمامي والوادي يجري به السيل على الجانبين!، بزوغ الشمس من خلفنا وبعض أشعتها نراه على الأرض يتسلل من بين السحب، تخيل ذاك المنظر بصفاء الجبال بعد المطر ولون الأرض البني الداكن بأثر الماء والحوائر المائية الراكدة كالبحيرات، تعرفت على البيوت والمعالم ويساراً بيوت آل شينان التوأم وكأنني على الأرض بالهايلكس القديم. كان شعور باكي بلا دموع، وحالة تجمد وصمت قهري، وقشعريرة بكل الجسد -إي والله-، وما زاد الحنين حينها وجود الوالدين يساراً على مسافة ميلين فقط. استغرق العصف دقيقة تقريباً كانت كافية لمشهد بانورامي عن قرب لكامل طريب من الجو ولن يغيب هذا المنظر من الذاكرة ماحييت، هبطنا أجمل هبوط واقلعنا ثانية لمهمة أخرى وتلك أيام خلت. هل اليوم كالأمس؟.. لا طبعاً. وعلى الطاري كنت ومازلت أرى قرية الحدباء مكان حضاري قديم وأصيل، أغلب معالمها زال وجرّف وبعضه تحت الأرض. أجمل مافي الحدباء إسمها اللصيق علمياً بكروية الأرض وانحناءها، لكن الأجمل حينما تنطقها بالإنجليزية "hadba" وهي أجمل صفة جمال يهبها الله للعيون. وبالفعل في الحدباء هدبوات بشكل بديع تبارك الله، لاتفوتكم ياشباب تزوجوا منها وإن كانوا بمناطق أخرى. حتى إسم "هدباء" الأصيل تجاهلناه وحل مكانه ريتا وماتا. لكم التحية وتقبل الله صيامكم والقيام.
عبدالله غانم القحطاني
«حديث السَّحَر» سامحونا وحاسبوهم
(0)(6)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6625558.htm
التعليقات 1
1 pings
حسن بن جعده
12/04/2023 في 5:13 ص[3] رابط التعليق
لجنال الحديث جمال الاشمال فيه وقد يعشق الفتي مكان عشقه وان فات الزمان تذكر اسمه ان من جمال المقال حسن المثال وابداع الاجمال وتخصيص الاحوال لذكاء فطري معهود وذكريات الزمان والمكان والانسان فحق لك هذا ياصديقي فقد امتعتنا بهذا الحديث الهاديء كثر الله اصدقائك فمن يغترب يحسب غريبا صديقه وينسى الاقربون الاوائل’ مازال اصدقائك هناك ينتظرونك في الاعياد دمت بود وحبور ولك باقة من ارق الزهور يابا منصور
(0)
(0)