كلُّ شيءٍ ينتظر وقتَه؛ لا وردةَ تتفتَّح قبل وقتِها، ولا شمسَ تُشرق قبلَ وقتِها؛ فوقتُ مناقشة رسالتك "تاريخُها ويومُها ووقتُها" عند الله معلوم، ما عليك إلَّا أن تسعى بجدّ متواصل، وتطلبَ العون والتيسير من الله كلَّ يومٍ حتى يومك المعلوم المنتظَر، ولا تنسَ أن تحتسبَ الأجر أثناء الرِّحلة.
لعلِّي أذكر لكم عددًا من النقاط التي لا بُدَّ من أخذها بعين الاعتبار قُبَيْل تسليم الرسالة:
▪ إعادة تنظيم وتنسيق الرسالة قُبَيْل تسليم النسخة الأوليَّة للمناقشين وفقًا لدليل الجامعة التي يتبع لها الباحث؛ مما يعطي تصورًا رائعًا للمناقشين باهتمام الطالب واحترامه لهم، فالمناقشون ما هم إلَّا ضيوف شرف على رسالتك، يتذوّقُون أسلوبك الأكاديمي، ويُسعدهم ويَرُوق لهم تنظيمُها، وتُعَدّ واجِهة الباحث، وتعكس مستواه الأكاديمي والمعرفي حول المجال الذي يبحث فيه. وتطرّقتُ هنا لهذي النقطة لما كَثُرَ في الآونة الأخيرة من إهمالٍ لهذا الجانب من قِبل الباحث، وتأجيل ذلك للمرحلة الأخيرة والتعديل الأخير؛ علمًا أنه لا يُوجَد مبرر لذلك الإهمال.. (احترم المناقشين) الذين تستضيفهم لقراءة رسالتك الطويلة التي أعدَدْتَها لسنوات، وعليك "عدم التساهل" في هذا؛ فهُمْ ضيوفك وحقُّ الضيفِ إكرامُه.
▪ التأكُّد من المخرج الشكلي "للرسالة" (التدقيق، والتوثيق).
▪ الاطِّلاع على المخطَّطات المعدَّة التي تهدف إلى تنويه الباحث حول الأخطاء الأكثر شيوعًا والمتكرِّرة أثناء إعداد الرسالة العلميَّة من قِبل الباحث، ومن الجدير بالذكر أن هناك العديدَ من الملفَّات التي أصدرَتْها بعض الجامعات حول هذا الموضوع؛ فلا ينبغي أن تُكرَّر أخطاء الآخرين، فنحن نتعلَّم من أخطائنا وأخطاء الآخرين بشكل كبير وسريع، وعكس ذلك ما هو إلا دليل لعدم اطِّلاعِك وإهمالك؛ فلا بد أن تستفيد من تلك الأخطاء التي تُسهم في تجنُّب الإخراج أثناء الرسالة.
▪ يُفضَّل ويُستحسَن مراجعة الباحث "المكتبة الرقميَّة" والمصادر الأخرى التي تتناول الرسائل العلميَّة والدراسات للاطِّلاع على توافُر دراسات حديثة تتناول متغيرات دراستك قبل تسليمها بفترة، ولا يَغِبْ عنك أنّ المعرفة متراكمة متسارعة، فقط "دراسة واحدة تناولت أحد المتغيرات تسهم في تطعيم الرسالة"، وتعطي وجهة للرسالة، وتؤكد للمناقشين أنك ذو اطّلاع مستمر في مجالك (نحن نبدأ من حيثُ انتهى الآخرون)، نُسلِّم تلك المعرفة إلى مَن بعدَنا.
▪ مهمّ جدًّا التأكُّد من توافُق المخطَّط الذي تم اعتمادُه من الدراسات العليا مع نسخة الرسالة؛ فقد يحصل مع تعمُّق الباحث في موضوع الدراسة وتطبيقها أن يُجري تعديلًا في التعريف الإجرائي، الأهمية العلميَّة والتطبيقيَّة، لكن (يكون مشرف الرسالة على علم بذلك)، مع تجهيز مُبرِّرات لتلك التغيرات؛ ولا ينبغي -على سبيل المثال- تغيير الأسئلة ،منهج الدراسة، عيّنة الدراسة؛ فهذا يُعَدّ تغييرًا في المخطَّط، ولا يُسمَح به.
▪ كُنْ على دراية بالإجراءات ومُتطلَّبات الانتهاء من الرسالة، من تسليمها إلى المشرف حتَّى طلب مَنْح الدرجة، والقواعد المنظّمة لتسجيل الرسالة العلميَّة، وكتابتها وطباعتها وتقديمها (تواصَلْ مع المشرِف ليساعدَك في ذلك).
يوم المناقَشة:
هذا يومُك، هذا نهاية الرِّحلة، لا أقول لا تتأخَّر، بل لا بُدّ أن تُبكِّر جدًّا فتكون أوَّل مَن يحضر، "تتفقَّد المكان"، يكون هناك انسجامٌ بين المكان ورُوحِك.
▪ يأتي موجُ المشاعر المختلِط فجأةً في ذاك اليوم، يتقلَّب فيه الباحث بين توتُّر، وقلق، وسعادة، وانتظار الفرج)، كلُّنا ذاك الباحث، لكن عليك أن تتعرَّف على أساليب التحكُّم في تلك المشاعر. يشعر الباحث بحال من الضعف.. تأكَّد أن هذا الشعور سيخلُفُه قوةٌ وشموخٌ وتحقيقٌ للمنجزات التي أخذَتْ من وقتِكَ الكثير.. لذلك؛ هذا الوقت، وآخر اللَّحَظَات، كما تُوَثِّق كلمات ومعلومات لا بُدَّ أن تُوَثِّق فيها هذا اليوم باسمك.. (هناك صديقٌ، أهلٌ ينتظرون توثيق ذلك بالنيابة عنك؛ حبًّا وحرصًا وفخرًا؛ فولِّهم ذلك ولا تقلق).
▪ من الجميل التحدُّث مع مَن سبقَكَ من الزملاء والخرِّيجين الإيجابيِّين.. أعيدُها: الإيجابيِّين.. ضروري جدًّا الاستفادة من خبراتهم؛ فسوف يدعمونك كثيرًا (كلنا ذوو هدف واحد، والعلم رحمٌ بين أهله).
▪ هندامُك جزءٌ من شخصيّتِك، وشخصيّتُك أحد مواطن الحكم على شخصِك بصفتك باحثًا.
▪ إعداد مُلخَّص للرِّسالة بأسلوبٍ يُحاكي العصرَ الحديثَ بشكلٍ مختصر، وغالبًا: (إنفوجرافيك، وبعض الرسومات والتحليل والخرائط التي تُسهم في الرَّفْع من جودة العرض، بالإضافة إلى الاهتمام بالمحتوى والمضمون).
▪ لا تُعجبني فكرة أنّ المناقَشة مثل المقابلة الشخصيَّة، وأنّ هناك أسئلةً مُعَدَّة مسبقًا من المناقشين يُعِدّ لها الباحث أيضًا مسبقًا.. (استبعِدْ هذي الفكرة تمامًا).
▪ المفترَض أنْ "يقرأ الباحثُ الرِّسالةَ بعينٍ متفحِّصة"؛ بحيث يتعرَّف بنفسه لو كان مناقشًا إيَّاها: أين مواطن القوة فيها، وأين يكمن القصور؟ هنا تظهر مواطن الأسئلة وجوهر الرِّسالة.
▪ تَبرز شخصيَّة الباحث كثيرًا أثناء المناقشة، وأيضًا نبرةُ الصوتِ تُخبر الكثيرَ عن الباحث.
▪ لا بُدَّ أن تعترف بعدم الكمال، وأن هناك مواطنَ قصورٍ؛ فكلُّ عملٍ إنسانيٍّ قابلٌ للتصويب والتحسين.
وأخيرًا.. "يُسعدني ذِكر تغريدة أ.د/ خالد الخزيم، لي ذاتَ يومٍ مُشجِّعًا":
"يمرّ الباحث بموجات هادئة وعالية، فيها كثيرٌ من الصُّعوبات؛ وعليه أن يكون بحَّارًا ماهرًا ليتمكَّن مِن تَجاوُز كلّ ذلك بعد توفيق الله، وأَثِقُ بقدراتِك أنّك قادرة على خوض الصِّعاب".
هند بنت محمد القحطاني
Twitter: @HindHindo0o