ربما تظن أن قربك من أحدهم يكفيك لإن تتعلم منه أشياء كثيرة فهو يخبرك بما اختزنته ذاكرته من تجاربه الشخصية وهذا مما لا شك فيه ليس بالضرورة يناسبك أو ينجح معك.
نعم ليس هناك أكثر و(( أصدق )) خبرة ومعرفة مما تملكها الأمهات وتسكبها محبة وايثار في عقول الأبناء حتى وإن كانت خبراتهن لا تتوافق وعصرك الذي تعيشه ولكن الذي لا شك فيه اطلاقا أن الأمهات يخبرنك بأشياء لم يخبرك بها أحد.
فامهاتنا من النقاء والقناعة بمكان إذ لا يعنيهن بأي حال حال الناس وأحوالهم، ففي طفولتنا كانت أمهاتنا تخاف علينا من كل شيء إلا ما أحسنت هي الظن فيه.
أمهاتنا لم تهتم بملاعق الذهب في أيدي الأغنياء
ولم تبهرها الحياة المخملية، ولا يعنيها أن تكون في قصر منيف لا تستخدم فيه إلا غرفة نومها ومطبخها ومجلس ضيوفها، لم تلح على والدك أن يقتني سيارة فخمة للتباهي بها ولا للتظاهر أمام الآخرين أنها من طبقة غنية فقد عاشت قنوعة وعلمتك أن الفقر ليس عيبا …
كانت أمهاتنا تعتني بالجوهر أكثر من عنايتهن بالمظهر رغم حرصهن على النظافة الشخصية والطهارة المرتبطة جذريا بتدينهن فقط وماعداه من مظاهر باذخة في الملبس وغيرهن فلا يعنيهن.
أمهاتنا سكبن في أرواحنا حب الخير للناس والزهد فيما أيديهم ولكن ومن حسن ظنهن ونقاء سرائرهن لم تخبرنا أمهاتنا أن هناك لؤم وهناك خبث وهناك مكر وهناك كثير من العقبات.
لم يخبرني أحد أن خسارة النفس لا تعوض.
لم يخبرني أحد أن التراجع عن الأخطاء فضيلة.
لم يخبرني أحد أن خوض التحديات يصنع الشخصية والكاريزما.
لم يخبرني أحد أن اعتزال الشر والاشرار يجعلني انعم بالخير والقناعة والرضا.
لم يخبرني أحد أن تضييق دائرة الأصدقاء ظلم للنفس فالصديق المخلص أخ لك لم تلده أمك.
لم يخبرني أحد أن رسائلي لنفسي وعلاجها أجدى من البحث عن مسكنات لوجع الفقد والحاجة.
لم يخبرني أحد أن من الأمانة حفظ ود الآخرين وأسرارهم حتى في قمة خلافك معهم أو فراقهم.
لم يخبرني أحد أن التسامي على أخطاء الآخرين وسوء ظنهم صبر وأجر.
لم يخبرني أحد أن الاعتماد على الآخرين لن يشعرني بلذة الانجاز.
لم يخبرني أحد أنه من الظلم الحكم على الآخرين قبل التعامل معهم ومشاطرتهم المواقف والشدائد.
لم يخبرني أحد أن المبالغة في كل شيء ليست محمودة إلا في حسن الخلق.
وأخيرًا .. لم يخبرني أحد أن لاحد يعرفني مثل نفسي وعليّ مسؤولية تربيتها وتهذيبها والارتقاء بها.
كل هذه الأشياء لم يخبرني بها أحد من قبل سوى أمي
الأمهات المناهج السوية للتربية.
كتبه/ الأستاذة جواهر محمد الخثلان