حب الذات والتصالح مع النفس هذه النافذة الذي تسلّل منها مدعيّ العلاج بالطاقة، فجمّلوها بما ليس فيها قالوا عنها أنها انتصارًا للنفس واعتدادا بها ! وهي أبعد ما يكون عن هذا كله، بل هي أنانية مفرطة تجعل من الإنسان وحشا كاسرا لا يهتم إلا بنفسه، ويسعى لاعتلاء هرم الأنا، ويتنكر بغرور لمن حوله، ويصادر حقوقه بشكل بغيض.
الأنانية المفرطة بذرة شر تنمو وتكبر حين لا يتم تحجيمها، فهي كالنبات الطفيلي الذي يأتي على ما جاوره فيعلو عليه ويؤذيه حتى يقضي عليه، ونزعة للارتقاء على أكتاف الآخرين دون تقديم أي مقابل لهم.
تسويق أولئك العاجيين الذين يعيشون لأنفسهم فقط لمثل هذه التفاهات يتنافى وأخلاق المسلم السوي والذي يخضع لما جاء به دينه العظيم ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ و (فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ).
من خوارم المروءة أن تكون شخصا أنانيا لا تهتم إلا لنفسك! وتتجاهل فضيلة الإيثار وكمال الدين، وأسوأ من ذلك حين تسلب الآخر حقا من حقوقه دون أن يرفّ لك جفن أو يهتز لحزنه فؤادك! بل قد ترى ما تفعله حق مشروع لك فتسرف في ظلمه والتعدي عليه .
من المؤسف انتشار الأنانية في عصرنا هذا بشكل ملفت، فالأب ترك مسؤولية بيته وأسرته واتكأ بلا مبالاة في الاستراحة بحثا عن الهدوء من ازعاج الأطفال وطلبات الزوجة! والأم تخلت عن مهامّها الأساسية وسلمت صغارها للخادمة، وركضت مع صويحباتها للمقاهي، والأسواق لتنال قساطا ممتدا من الراحة بحجة معاناتها من الضغوط ومتاعب البيت والأسرة!
حتى الموظف في مكتبه لم يعد يعنيه معاناة صديقه فالمهام تتراكم وهو يعبث بجهازه الكفي مكتفيا بالحد الأدنى من الأعمال! دون أن يمد يد العون لأخيه وليته يكتفي بذلك بل قد يلقي عليه ببعض من مهامه بكل وقاحة لاسيما حين يكون زميله خجولا ومعطاء.
الشخص الأناني شخص انتهازي فهو يتودّد إليك طالما أن لديك مصلحة له ثم إذا انتفت هذه المصلحة تنكر لك وغادرك، وأنكر فضلك عليه، بل وقد يستعرض عند الآخرين أنه من فعل حتى وصل.
الأنانية متنوعة الأشكال فهناك أنانية نفسية وهي تلك التي تحب التملك ومصالحها الشخصية أولوية لديها دون النظر إلى الأضرار المترتبة على ذلك، وهناك أنانية في العلاقات وتبدو جليّة بين الأزواج والأصدقاء والموظفين والمتنافسين بلا شرف، وهؤلاء لا يكتفون بتحقيق النجاح لأنفسهم بل يسعون إن استطاعوا للقضاء على منافسيهم بقتل طموحهم وبلا تردد.
أخيرا الأنانية المفرطة شكل من أشكال الأمراض النفسية يحتاج معها الأناني إلى علاج يحد من تطلعاته المريضة وكفّ أذاه عن الآخرين.
كتبه/ أ. جواهر محمد الخثلان