في الحلقات الأربع السابقة كان الكلام يدور حول ضرورة التغيير في نهج وفكر وعمل المخابرات العربية واهمية تطويرها عاجلاً. ومع أن التطوير كثيراً ما يكون مرفوضاً من قادة المخابرات وإداراتها، فقد يكون من الأنسب تأسيس أجهزة مخابرات رديفة باستراتيجية عمل حديثة، وبقيادات مَرِنة لديها قدرات ذكية، وموظفين لديهم قابلية استيعاب التدريب الخشن والعمل تحت كافة الظروف والمقدرة على الإستجابة السريعة لمواجهة تحديات المرحلة القريبة القادمة التي ستكون أكثر صعوبة وأشد خطورة وخارج حدود التفكير.
وضعت أمامي خارطة الدول العربية وحال كل دولة لغرض قياس نجاحات أعمال مخابراتها تجاه أوطانها ومحيطها العربي والدولي، وبغض النظر عن المؤثرات الدولية والتدخلات، وجدت ان هناك ثلاثة اتجاهات مختلفة لتلك المخابرات، الأولى فاعلة بدرجة “ما” وتحقق نجاحات نسبية، والثانية حزبية عابثة بأمن بلادها وأمن جيرانها العرب، والثالثة ليس لها تأثير مهم داخلياً وخارجياً ولا تزال ترتبط بأجهزة دولة الإستعمار السابقة ارتباطاً كاملا وتعمل تحت ظلها.
والقليل يعلم أن هناك مخابرات عربية تتحمل مسؤولية الأمن الوطني والقومي لبلدانها ولمحيطها العربي وتتحمل ايضاً مسؤوليات إقليمية ودولية. وما يهمنا هو هذا الصنف الفاعل الذي يحاول الاستباق، ويخطط عملياته بنفسه. والضرورة والأخلاق والمخاطر تستدعي التعاون بين هذه الأجهزة العربية القليلة الفاعلة مما سيضاعف من فاعليتها وتأثيرها.
وهناك بعض المخابرات العربية التي لاتزال اغلب اعمالها ضمن العُرف التقليدي القديم والرتيب الذي يعتمد على ردَّات الأفعال، فتنكشف بكل بساطة أمام قادتها وتضطر في الأوقات الطارئة اللجوء لجهات أجنبية متقدمة وغالباً ما تتخلى عنها أو تتباطأ في الإستجابة في أحلك الظروف تبعاً للمواقف والعلاقات السياسية. هذا العمل يجعل من السهل على المخابرات المعادية سرعة التقييم والإختراق.
وبعض المخابرات العربية تعمل بأقصى طاقاتها فتبدو مُطَمئِنَة لحكوماتها ولكن عند أي هزة مفاجئة أو حدث كبير مؤثر على الأمن الوطني تبدو تلك الأجهزة عاجزة عن الإحابة على تساؤلات حكوماتها الحرجة في الوقت الحرج. وقد وقعت جميع المخابرات العربية تقريباً في هذه المواقف. وإذا لم تعاد كتابة سياسة العمل من جديد وتتغير قواعد التدريب ومعايير إختيار الموارد البشرية وإجراءات مقاومة الإختراق فستبقى مواقف الدولة العربية ضعيفة أمام أعداءها وعرضة للإبتزاز الخارجي.
أخيراً: المرحلة القريبة القادمة ستكون صعبة وخطيرة على أمن المنطقة العربية وخاصة في ضوء المتغيرات المفاجئة لما بعد جائحة وباء كوفيد19، وفي ضوء الإستراتيجيات العدائية لإيران وتركيا وإسرائيل “إيراتاس” التي لن تتغير قريبا. وستكون مرحلة صعبة جداً وستتحمل المخابرات جزء كبير من مسؤولية نتائجها.
ويبقى السؤال حائراً، لماذا على الأقل لا تحاكي بعض الاستخبارات العربية أجهزة أعداءها التاريخيين في مجموعة “إيراتاس” (إيران-تركيا-إسرائيل). والجواب بالطبع ليس لدى السياسيين وإنما في فكر المخابرات نفسها.
لمتابعة المقالات السابقة من خلال الروابط التالية: