تطغى العادات على العبادات، وتطغى المظاهر على المخابر، لذا لا غرابة إذا كنا نحن بعاداتنا وثقافتنا قد شوهنا ديننا ومسخنا جمالياته.
التعاطي الديني عند البعض يخلط بين الفرض والسنة، فتصبح السنن عادة، ويصبح الفرض هامشي، وهنا الكارثة، وهو الزيف الديني الذي يخرجنا عن المسارات السوية، ويبدو جليّاً في مناحي حياتنا اليومية ويصل ذروته في شهر رمضان المبارك.
عندما ينشغل الموظف بقراءة القرآن الكريم وقت الدوام في شهر رمضان، ويجمّد معاملات الناس في أدراج مكتبه، فهذا هو التدين الكاذب، وعندما يغير الموظف مسار معاملة بطريقة لا تخلوا من التحايل والغش والاستنفاع، ويقول اللهم إني صائم، فهذا هو التدين الكاذب، وعندما ينشط لصوص العقار ليالي رمضان، ويوقعون قبل تناول السحور الفاخر صفقات مغشوشة فهذا هو التدين الكاذب، وعندما يحرصون على صلاة التراويح وهي سنة وينامون وقت الصلاة المفروضة فهذا هو التدين الكاذب بشحمه ولحمه، وعندما يخالف رب الأسرة تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحثنا على تلمس ليلة القدر في العشر الأخيرة من الشهر الكريم وإحياء الليالي بالعبادة، فيذهب لمكة لأخذ عمرة مكررة وفيها من المشقة والفوضى والعشوائية الكثير والكثير، فهذا هو التدين الكاذب ، رسولنا عليه الصلاة والسلام قال: أحيوا ليلكم، ولم يقل اذهبوا للعمرة كل عام، وقال عليه الصلاة والسلام: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”.. ركزوا “من قام ليلة القدر” وليس من ذهب للزحام.
عندما يغيب الإمام عن مسجده بحجة الذهاب لمكة للعمرة والاعتكاف سنوياً، فهذا هو التدين الكاذب، الدموع من خشية الله في خلوة وليست أمام مكبرات الصوت، واغتصاب البكاء أمام الملأ تديّن كاذب.
عندما نفسد الحضارة الروحية بترك مخلفات الأكل والشرب في ساحات الحرم المكي والمسجد النبوي الشريف فهو التدين الكاذب، عندما نخسر معاني ديننا الإسلامي السامية وآدابه الراقية فهذا هو التدين الكاذب، حتى وإن ارتدينا الثياب القصيرة وأطلقنا اللحية وأطلنا السواك ونثرنا دهن العود، وحتى لو حفظنا بعض الآيات وبعض الأحاديث، عندما يقلب الصائم نهاره نوماً والليل سهراً مع ثلاث وجبات، وعندما يشعر الصائم بمعاناة الفقراء قبل الإفطار، وبمعاناة “الحامل” بعد الإفطار فإنه التديّن الكاذب.
في الحي الذي أسكنه لم يستوعب المسجد الكبير الأعداد الهائلة التي أتت للصلاة ليلة 27 رمضان العام الماضي، وقد افترشوا الشوارع المحيطة، وفي الليلة التالية أكثر من نصف الجامع فارغ، أين ذهبوا أهل زحمة ليلة الزيف الديني؟؛ هذا هو الوجه الحقيقي لثلثي مجتمعنا.. إنه التدين الكاذب للأسف.
من أوجب الواجبات أن نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه فالتدين الحقيقي يحتاج لجوهر العلاقة الروحية بين العبد وربه، الصدق مع الله والصدق مع النفس،أن تعبد الله كأنك تراه، أما عمرة العادة السنوية، وتجميد المعاملات، وتغيير مسارها، وإطلاق اللحية، ولبس الثياب القصيرة، والعطور الكمبودية، والسواك والاهتمام بالسنن وإهمال الفروض، وتصنيف البشر، فكل تلك لا تعدوا كونها أشكال تصب في قالب زيف التدين الكاذب.
التعليقات 2
2 pings
أبو عبد الله
19/06/2016 في 5:24 م[3] رابط التعليق
ليس اﻷمر كما ظننت بارك الله فيك .
لقد أهلكت الناس وظننت بهم سوءا !
اللهم تقبل منا وتجاوز عنا .
(0)
(0)
محمد الجـــــــابري
21/06/2016 في 2:42 ص[3] رابط التعليق
الخوف ان ينطبق على بعضنا صفة الرياء من خلال اهمال مصالح العباد بحجة ممارسة التعبد على حساب الاخرين..
تحديدك اخ صالح لتلك المواقف نلمسها يوميا ولا ينكرها الا جاحد “الدين يسر ومعامله وامتثال مع الوفاء بحقوق الناس…
تحياتي
(0)
(0)