يقع الخليج العربي الذي يعتبر محط أنظار العالم وليس فقط شعوب ودول منطقة الشرق الأوسط، في قلب السياسة الدولية مهما حاولت الولايات المتحدة أو القوى العظمى التنصل أو التحول أو التظاهر بالتحول الجيوستراتيجي عن المنطقة. والسبب يكمن في تمتع هذا الخليج بمقومات استراتيجية من أهمها الموقع الجغرافي والقوة الاقتصادية الكامنة إذ تحتوي منطقة الخليج مجتمعة على ما يربو عن (٦٥٪) من احتياطي نفط العالم، إضافةً إلى قدرة التأثير السعودية تحديداً على العالمين العربي والإسلامي. وفي ذات الوقت الذي تكون فيه هذه المقومات مصدر قوة وجذب إلا أنها تشكل مصدر تهديد أمني من المنظور الاستراتيجي نظراً للأطماع الأجنبية المستمرة في المنطقة إضافةً إلى عوامل داخلية تشكلت عبر عقود من الزمن. ولعل هذا المقال القصير لا يكفي لعرض هذه المهددات بالتفصيل ولكن إجمالاً نسرد الأهم منها هنا باختصار:
1. المشروع اليساري الغربي الذي يهدف إلى تقسيم المنطقة فيما أُفصح عنه مع مطلع تسعينيات القرن الماضي بمقترح (برنارد لويس) للشرق الأوسط الكبير، وبأدواته المتمثلة بالمشاريع التوسعية: إيران وتركيا والتنظيمات المتطرفة: الإخوان وداعش والميليشيات الولائية. كانت الأداة الوظيفية لتنفيذ هذا المشروع هي إسرائيل منذ عام ١٩٤٨م، ثم انكفأت تكتيكياً وحلت محلها إيران منذ عام ١٩٧٩م، التي تستنسخ ذاتها في ميليشيات مسلحة ومؤدلجة تتعاون مع الإخوان المتأسلمين وتحتضن (القاعدة) و (داعش)، لتنفيذ مشروعها التوسعي الذي يتخادم بالضرورة مع المشروع اليساري الأكبر.
2. التحالفات الإقليمية لبعض دول المنظومة الخليجية مع قوى خارج المنظومة. إذ أن الفكر السياسي السائد في المنطقة يربط نجاح أي مشروع داخل الدولة القُطْرية بقوى أجنبية سواءً إقليمية أو دولية. وهذا بدوره يشكل هاجساً أمنياً على المدى الاستراتيجي لكامل المنظومة، وخصوصاً عند التحالف مع دول ذات مشاريع توسعية إقليمياً مثل إيران وتركيا وإسرائيل. ويفسر البعض هذه الظاهرة بأنها نتيجة خضوع دول المنطقة العربية للاستعمار قبل تحررها تماماً في أوائل السبعينيات الماضية، إذ أن دول الخليج كانت ضمن هذا السياق عدا السعودية.
3. التطرف الفكري والديني. وهذا المهدد أتى نتيجة عامل قلة الوعي الذي ساهمت فيه أنظمة التعليم والإعلام بشكل مباشر. والمتتبع للفكر الإخواني والقاعدة وداعش والميليشيات الولائية يجد عامل الجهل سبباً مشتركاً بين هذه التنظيمات. كما أنها تنظيمات عابرة للحدود وتترعرع في الدول الهشة تعليمياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً. ويتم تعزيز التنظيمات المتطرفة من قبل قوى وأنظمة استخبارات دولية واستثمارها لإبقاء المنطقة في صراع مستمر لتبقى في حاجة دائمة للتحالف الثنائي مع تلك القوى ويستنزف ثروات المنطقة لمصلحتها. والجدير بالذكر أن هذا المهدد يبدو تحت السيطرة النسبية نظراً للجهود القُطرية والجماعية الأمنية والفكرية الملحوظة لدول المنظومة.
4. تأخر مشروع التكامل الاستراتيجي بين دول المنظومة. ويتحقق هذا التكامل باستكمال ما تم إنجازه على صعيد التعاون العسكري والأمني والقانوني والتجاري والربط الكهربائي وطريق التعاون البري. التكامل الاقتصادي والمالي خطوة مهمة للوصول إلى التكامل السياسي بحيث يتم توصيف المهدد الأمني الأول وتوحيد السياسة الخارجية تجاه المهددات الأمنية. بهذا فقط يمكن صناعة القرار الدولي المتعلق بأمن دول الخليج ومصالحها الاستراتيجية من المنظومة ابتداءً.
5. الأمن السيبراني. تعرضت شركة أرامكو السعودية لهجوم سيبراني ضخم عام ٢٠١٢م نجت منه أجهزة إدارة العمليات، مما دعى إلى اتخاذ إجراءات مشددة لاحقاً على مستوى السعودية، وتم تعميم هذه التجربة للاستفادة منها على مستوى دول الخليج. هذا التهديد العالمي الجديد سيتضاعف مع دخول منظومات (البلوكتشين) والتعاملات الرقمية والأتمتة المستمرة والرقمنة داخل الحكومات وفي قطاعات الأعمال.
6. التلوث البيئي لمفاعل بوشهر. إضافةً إلى البرنامج الصاروخي، يشكل البرنامج النووي الإيراني تهديداً استراتيجياً للمنطقة، ليس فقط من الناحية العسكرية وتوازن القوى جيوستراتيجياً، وإنما بيئياً أيضاً. يقع مفاعل بوشهر على الضفة الشرقية للخليج العربي، مما يجعل الخليج والدول المطلة عليه في الضفة الغربية في حالة قلق مستمر من أي تسرب إشعاعي محتمل حتى وإن لم يتعرض المفاعل لأي ضربة عسكرية. هذا الخطر قد يهدد بتلوث مياه الخليج لعشرات السنين.
7. الفساد الإداري المقاوم للحوكمة. يذكر ابن خلدون في مقدمته جملة من المظاهر التي حلت بالدول التي انهارت، ومنها ما يطلق عليه اليوم مصطلح الفساد. والمتتبع للتاريخ يجد أن المهدد الأكبر لانهيار الدول هو عامل الفساد الداخلي مالياً وإدارياً. ولعل دول الخليج العربية بدأت تتخذ تشريعات وإجراءات صارمة تحد من الفساد مما يجعلها تتقوى من الداخل لتنافس الدول العظمى. ويبقى أن يتم توحيد أو تكامل هذه التشريعات والإجراءات على مستوى جميع دول المنظومة الخليجية بشكل أسرع.
اللواء (م)/ عيسى بن جابر ال فايع
باحث/ ش الاستراتيجية والأمن الدولي