هذا حالنا نحن هنا في المملكة ، نعيش الرخاء والنماء والأمن والطمأنينة ، ولا نشعر بفضلها وأهميتها ، وندرتها عند غيرنا، لأنا تعودنا عليها ، حتى أصبحت نموذج حياتنا ، ومن اكبر وأعظم النعم ( نعمة انتقال السلطة بين حكامنا ) حيث ننام قريري الأعين لا يشغلنا عن أنفسنا وأهلينا شاغل ، فنصبح وقد قام ولاة الامر بترتيب ذلك الشأن ، دون دماء ولا عداء ، فنترحم على الفاني ، ونبايع الآتي، فما أغلقنا على أنفسنا وأهلنا أبواب منازلنا ، وما بحثنا عن الملاجيء للهروب اليها ، ولا تسربنا للأودية والشعاب خوف التناحر والتقاتل ، كالذي يحصل فيمن حولنا.
فهذا اليمن الذي كان سعيدا يغوص في وحل دماء أبنائه ، فيستقيل رئيس الحكومة ، ويتبعه رئيس الجمهورية ، وتصبح المؤسسات الحكومية نهب اللصوص والمرتزقة ، وهذه ليبيا تسيل دماء ابنائها انهارا يسبح في لجتها الطامحون للحكم ، وتلك سوريا لم يعد بها مكان للقبور لكثرة القتلى ليس لكوارث طبيعية ، بل للحفاظ على كرسي الحكم ، ثم نرى العراق كيف كان الوصول لسدة الحكم به يمرّ فوق جثث الناس واشلائهم ، ونتذكر لبنان والفراغ الرئاسي الذي اصبح سمة الحكومة هناك ، والصومال وما ادراك ما الصومال ، والقائمة تطول .
إن النعمة الكبرى التي نعيشها في بلادنا يغبطنا عليها أصدقاؤنا ، ويحسدنا عليها أعداؤنا ، وهي نموذج فريد قلّ أن تجده في بلدان تنعم بالأمن والحريّة ، لكنها تفتقد الانسيابية التي نحن عليها في انتقال السلطة وتمكينها.
نسأل الله أن يرزقنا شكر هذه النعمة ، حتى تدوم وتستمر ، وأن يحفظ بلادنا وولاة أمرنا ، ويردّ كيد الكائدين ، وحسد الحاسدين ، فلا ينالوا خيرا ، ولا يصيبوا هدفا .