لن أتحدث عن البُعد الاقتصادي والسياسي والأمني المستقبلي لـ 2030 فقد تناولها المحللون والمتابعون بكل تفاصيلها وغلب على ذلك موجة التفاؤل على طريقة “تفاءلوا بالخير تجدوه” وإنما أتحدث عن أهم محور للوصول لأهداف هذه الرؤية وهو “العدل” لأنه مقياس حضارة الشعوب وهو معيار الاستقرار والانسجام وهو ركيزة ديننا الإسلامي الحنيف.
“العدل” يحدد مسارات 2030 وهو نقطة البداية الفعلية المنتظرة من أمراء المناطق والوزراء وكل من يحمل على كاهله ” الأمانة ” التي تبرأت منها السماوات والأرض.
نريد “العدل” من المسئولين فقط؛ فإذا أتجه أبناء الوزراء والفقراء لطابور البطالة سوياً فهذا هو “العدل”، إذا توقف فساد عقود الباطن وتم إيجاد البدائل التي تحمي مال الدولة والرعية فهذا هو “العدل”، إذا توقفت ترشيحات المراتب العشوائية والاستثنائية وتم تثبيت مبدأ مضي السنوات النظامية للحصول على المرتبة التي تليها لكل موظفي الدولة فهذا هو “العدل”، إذا تساوت فرص التوظيف والترقيات والانتدابات وخارج الدوام فهذا هو “العدل” ولاشيء سواه، إذا توقفت المجاهرة في الولائم والمزايين والبعارين وصفقات العقار وحفلات ما أنزل الله بها من سلطان فهذا هو ” العدل”، إذا تمت معاقبة مخترقي أنظمة المرور وأنظمة الإجراءات القضائية والحقوقية فهذا هو ” العدل”.
نريد عاصفة عدل توازي عاصفة “الحزم”، ننتظر محاسبة الكبير قبل الصغير… “العدل” أهم العوامل المؤثرة في تكامل المجتمع وبدء خطى رؤية 2030 بكل ثبات.
“العدل” وحسب علم الكلام هو “رفض فعل القبيح و عدم الإخلال بالواجب وعدم التكليف بما لا مصلحة منه” بمعني أن يتوقف المسؤول عن تكليف موظفيه بخارج دوام وهم لم ينجزوا المطلوب منهم أثناء الدوام الرسمي؛ ولا تندب مسؤول موظفه عشرة أيام والمهمة تنتهي في يومن؛ ويقضي باقي أيام الانتداب مدفوعة الأجر في منزله.
“العدل” هو أن تقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ويخضع للتحقيق والتشهير لا للتغيير.. و”بناءً على طلبه”!!!
“العدل” من مرتكزات الفعل لأنه وصف وجودي مكاني محسوس وقرون الاستشعار تكشفه في كل زوايا الشفافية إذا حضرت ولم تغب بفعل فاعل؛ وميزان “العدل” أتى في القرآن الكريم واستُعمل كمدلول واضح وصريح لا يحتاج اجتهاد المفسرين؛ خلاصته لا ظلم بإنقاص الحق ولا جور بالزيادة عليه؛ قال تعالى {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } وهاكم أشمل وأعم آية في القرآن الكريم؛ قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ}؛ هذا هو الهدف التشريعي الإلهي وهو مضمون كل الرسالات السماوية.
إن كل ما سبق موجه للتنفيذيين لمن تحملوا مسئولية الأمانة بثقلها وخطورتها وسينعكس إيجاباً أو سلباً على مسير رؤية المملكة 2030 وسيلقي بظلاله على الرؤية مهما زخرفنا القول ومهما لمعنا المعاني وهذه المسئولية على التنفيذيين الكبار لا تعفي الفرد في الشكل الجمعي من التصدي للمسؤولية الأخلاقية كإنسان مؤمن موحد في عنقه بيعة لولي الأمر وما دون ذلك سيموت موتة الجاهلة.. قال تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين أن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وان تلووا أو تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا) …. يثني المولى عز وجل على الأمم التي أقامت “العدل” في حياتها ونشرت القسط؛ ويكشف المولى عزً وجلً المصير المحتوم لمن يجاهر بالظلم والجور؛ قال تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات)؛ وقوله تعالى: (فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كرهته لنفسك فأكرهه لغيرك وما أحببته لنفسك فأحبّه لأخيك تكن عادلاً في حكمك، مقسطاً في عدلك، محباً في أهل السماء مودوداً في صدور أهل الأرض)، وقال في حديث شريف: (إن العدل هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا).
وفي إحدى خطب خاتم النبيين والمرسلين قال: أيها الناس إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكونوا على آداب رفيعة وأخلاق شريفة فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلا بأن يعرّفهم ما لهم وما عليهم والتعريف لا يكون إلا بالأمر والنهي والأمر والنهي لا يجتمعان إلا بالوعد والوعيد والوعد لا يكون إلا بالترغيب والوعيد لا يكون إلا بالترهيب، والترغيب لا يكون إلا بما تشتهيه أنفسهم وتلذّه أعينهم والترهيب لا يكون إلا بضد ذلك ثم خلقهم في داره وأراهم طرفاً من اللذات ليستدلوا على ما ورائهم من اللذات الخاصة التي لا يشوبها ألم ألا وهي الجنة وأراهم طرفاً من الآلام ليستدلوا بها على ما ورائهم من الآلام الخاصة التي لا يشوبها لذة ألا وهي النار فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطاً بمحنها وسرورها ممزوجاً بكدرها وغمومها”.
إن هدم أركان الفساد الإداري والمالي في جميع وزاراتنا ومؤسساتنا لا يتحقق إلاّ إذا كان “العدل” نبراس التنفيذيين المخلصين لدينهم وأمانات ومليكهم؛ فكثير ممن ركنتهم الحياة يطالبون بـ”العدل” والإخلاص في القول والعمل وعندما تربعوا على الكراسي تسلطوا وجاروا وجاهروا وتبرؤوا من مقالاتهم وقصائدهم وأحاديثهم في مجالسهم.
إذا أردنا المساهمة الصادقة في تحقيق رؤية 2030 فعلينا بالعدل ولا شيء سواه (كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).
“العدل” يبني الحضارة وينشر السلام؛ وبـ”العدل” تحيا الأمم وبالظلم تموت؛ فأحسنوا اختيار التنفيذيين واهتموا بالبطانة الصالحة وحاسبوا قبل أن تحاسبوا فهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلاً ولن تجد لسنة الله تبديلا.
عدالة رؤية 2030
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6277875.htm