من دون سابق إنذار .. في بداية الأمر " تعلن وزارة التعليم عن تعليق الجامعات والمدارس إلى إشعار آخر " كنت حينها مع أصدقائي ولدينا مشروع وعلينا تسليمه في اليوم التالي .. توالت الأخبار " توقف ، تأجيل ، تعليق ... " على مواقع التواصل الاجتماعي والردود تزداد ومنا من فَرِح بالخبر ، ولكن هناك من اقلقهم الخبر .. منا من كان يريد أن يتابع أوراقه .. ومنا من يريد أن يسلم مشاريعه .. ومنا من كان يراه حملاً ثقيلا وأنزاح عن ظهره وارتاح ، ولكن يبقى السؤال .. وبعدين ؟
أمر يشبه الموت يا أصحاب ، أمور كنت ستنجزها لم تستطع أن تكملها الان ، سفر كنت تخطط له ، أُلغي .. موعد مرتقب ، أُعتذر منه .. حفل جماهيري كبير ، أُجّل .. لحظة شبيهة بتلك اللحظة .. فجأة .. لن تستطيع أن تقدم شيء .. قد انتهى الأمر ورفعت الصحف وأصبح يُقال : الله يرحمه !
الآن وبعد من فارقوا هذه الحياة بسبب هذا المرض ـ أجارنا الله وإياكم منه ـ إلى كتابتي هذه الأسطر فقد بلغ عدد الوفيات عالمياً 30,018 .. وهناك تعلن بريطانيا أن أسباب الأرض قد انتهت وبقيت أسباب السماء ! فقد بلغوا في يوم واحد 1000 وفاة !
احصائيات كبيرة وأرقام مخيفة ، هي جديرة بأن نعود لله يا أصحاب ونقف مع أنفسنا في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ! ومن نعم الله علينا أننا ما زلنا هنا ، ما زلتُ أكتب في هذه الأسطر وأنت ما زلت تقرأ هذه الكلمات التي تخرج من القلب وأتمنى أن تصل للقلب ..
تبادر لذهني سؤال .. هل تضايقنا من الحجر ؟ من الجلوس في البيت ؟ هل اشتقنا لسمرات الطرب ؟ وللقاء الأصحاب ؟
وفي ذات الوقت .. تذكرت أهلنا في سوريا واليمن .. فهناك من لا بيت يأويه .. بَرَد ومطر وثلج ، وخوف وحرب وجوع .. لنحمد الله يا صاحبي .. فكما يقولون : " من شاف مصيبة غيره هانت عليه مصيبته " .
أضع بين أيديكم مقترحات تليق بذائقتكم الجميلة لنستغل جلوسنا في البيت من الناحية الروحية فنرتقي بها والصحية لنقوى والفكرية أيضاً .. هي فرصة لمراجعة حساباتنا المالية والإدخار .. وهي فرصة لاكتساب العادات وفقد السيء منها والتهيئة النفسية لشهر رمضان المبارك .. بلغنا الله وإياكم هذا الشهر الفضيل ، نحن بشهر شعبان ، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الصيام في شعبان تهذيب للنفس لدخول رمضان وهنا أول مقترح .. ومن الجميل أن نتفكر في القران وفي تفسيره .. عندما نقرا في تفسير القران خلال هذا الشهر ونأتي في رمضان ونقرا القران سيكون الشعور مختلف تماما يا صاحبي ..
المال الذي كنا نضعه في سمراتنا وفي جلساتنا في المقاهي والعزائم والولائم الكبيرة .. اين ذهب الان ؟ المال الذي كنا ندفعه خلال شهر .. الان لم ندفع حتى الربع منه .. جلوسنا في البيت وفّر علينا الكثير من المال ، وهنا أتت وظيفة الأذكياء ممن يدخرون ويحفظون هذا المال .. ولنخرج من هذا المال الصدقات بنية التخفيف والشفاء وازاحة هذه الكربة ..
بالنسبة لي فقد اكتشفت أن علاقتي مع أهلي طيبة وجميلة وقوية من قبل الحجر ولله الحمد .. فلم يتغير علي الكثير عندما جلست معهم لفترة أطول .. وهذه فرصة لتحسين العلاقة بشكل أكبر وأقوى وأجمل مما عليها الان .. أما أصحاب المطابخ ومن أراد أن يخرج المواهب المدفونة في داخلة من الطبخ .. أعانك الله ! دخلتُ على مطبخ بيتنا لأطبخ للأهل .. الوالدة رحبت وأختي فرحت واشرق وجهها .. بعد ان انهينا الغداء .. انقسم أهل البيت إلى قسمين .. الوالدة وأختي أعجبهم الأكل وأعتقد أنهم أعجبهم لأنني قد أرحتهم من الغداء وليس لطعم الأكل وأما الوالد وأخي .. فنظروا إلي نظرة تدل على أن لا تفكر في الطبخ مرة أخرى !
جلستك الطويلة في البيت تساعدك على إعادة ترتيب بيتك .. واستغلال الارتدادات المهدرة .. مثل حوش المنزل والسطح والممرات .. وقد عملت مع أخي قبل سنة ونصف من الآن على جلسة في حوش بيتنا والان في هذه الفترة من الحجر نجني ثمار هذه الفكرة فننتقل من بيتنا الداخلي إلى بيتنا الخارجي .. الورد يحفك من كل مكان والنافورة الشامية تتربع الجلسة .. وهناك الكثير من الأفكار لديك أنت ولديكي أنتي .. فلا تهملوها يا أصحاب !
والان .. كلنا مسؤول عما يجري .. فتذكروا هذه الأمة بدعوات خالصة .. ولنجلس في بيوتنا لنحمي أنفسنا ونحمكي أهلنا .. ونحمي غيرنا !
وبعد هذا الحجر بإذن الله سأكتب لكم عن تجربتي في الحجر وما الغنائم التي خرجت منها .. وإنما القلب يزداد حبا لكم أصحاب فواصل الكرام !
عبدالحكيم ناعس
فواصل شباب 20 ” أيام في الحجر المنزلي .. “
(0)(1)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://alraynews.net/articles/6497310.htm