كبينما يعيث نظام الملالي الإرهابي الإيراني في المنطقة العربية فساداً، نجد على الجهة المقابلة نظام أردوغان التركي المتلون بألوان الديموقراطية المصطنعة وألوان أخرى تأخذ من الدين ما أرادت وحينما تريد. هذا النظام الغرابي الأعرج الذي يقلد الغرب الديموقراطي في أدبياته عندما يخاطب الغربيين، يجعل من الدين الإسلامي مطية لتحقيق أهدافه التوسعية التي تلغي وجود العرب عموماً ودول الخليج العربي على وجه الخصوص عندما يتعلق الخطاب بالأتباع ممن تعلقت قلوبهم وعقولهم "بالخليفة العثماني"! وتهدف طغمة النظام وأتباعها من "الإخوان المتأسلمين" وغيرهم إلى أن "ترفع راياتها إلى الأبد" على المنطقة العربية كما جاء على لسان أردوغان، تماماً كما يتردد على ألسنة وكتابات المتطرفين من أتباع نظام الملالي الإرهابي الإيراني الذين يريدون أن يرفعوا راياتهم السوداء والحمراء على الكعبة كما جاء في أدبيات ملاليهم الضلاليين!
والنظام التركي -يقوده أردوغان وحزبه حالياً- يعول على الولاءات العربية التي تتأثر بالعاطفة الدينية التي يتخذها النظام وسيلة سياسية لتحقيق أهدافه التوسعية وإعادة ما يسميه بالإرث العثماني. الإرث الذي قاد المنطقة إلى التخلف لعقود طويلة في ظل تقدم العالم وتنافسه الحضاري. والمقلق في المشروع التركي من الناحية الأمنية على دول المنطقة هو أمران: الأول تصديق نظام أردوغان الوهم بمهمة "رعاية" المسلمين "السنة" في الشرق الأوسط على غرار تولي إيران رعاية الشيعة بالمنطقة، حسب خطة التقسيم الطائفي التي اعتمدها أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون بالوثيقة الأمنية الأمريكية (PSD-11) وحسب ما جاء في ما نشر من (إيميلات هيلاري). والأمر الثاني أنه أصبح التوسع التركي مشروعاً وطنياً تتبناه المؤسسات المعنية في تركيا ولم يعد أردوغانياً فقط. وليس أدل على ذلك من موافقة البرلمان على طلب الرئاسة إرسال قوات إلى مالي! وبالطبع سيتم استخدام مرتزقة من سوريا ومن بلدان أخرى كما تم ذلك من قبل في ليبيا وفي إقليم ناغورنو كاراباخ مؤخراً! وهذا يجعل هذا النظام لا يقل خطورةً على الأمن القومي الخليجي والعربي عن نظام الملالي الإرهابي بل يتفوق عليه، وخصوصاً في ظل (احتلاله للدوحة) واختراقه لنظام الحمدين القطري أمنياً وسياسياً واقتصادياً.
وفي مواجهة النظامين المتطرفين التوسعيين (الفارسي والتركي)، المختلفين في الأيديولوجيا والمتفقين في تحديد العدو -نحن العرب عدوهم بالطبع- فإن الحلول التكتيكية السياسية والأمنية والإعلامية تفتقر إلى عناصر مهمة ولا يمكن أن تكون هذه الحلول وردود الأفعال بديلاً للحلول الاستراتيجية. وهذا إضافةً إلى الجهد الدبلوماسي الذي أسهم في عزلة النظامين سياسياً واقتصادياً على الصعيدين الإقليمي والدولي إلى حد كبير، يقتضي العمل على المحورين التاليين:
١. المحور المعلوماتي الفكري الذي يستهدف الطبقة الوسطى من الشعبين الإيراني والتركي وباللغتين الفارسية والتركية. كما يجب أن يستهدف الرأي العام الغربي باللغات المؤثرة لتوجيه صناعة القرار في تلك الدول تجاه قضايا الشرق الأوسط.
٢. حملات المقاطعة الاقتصادية. فقد شهد العقد الماضي تحديداً مقاطعة اقتصادية دولية للنظام الإيراني ورموزه وحظراً على الأسلحة منذ عام (٢٠٠٧م)، كأسلوب ضغط يشبه الحرب غير المباشرة وأدى إلى ردع النظام نسبياً. كما أدت المقاطعة الشعبية للمنتجات التركية التي قادها إعلامياً مغردون ورجال أعمال سعوديون، واستجاب لها المجتمع السعودي بسرعة فائقة وأجزاء من المجتمعات العربية، أدت إلى ضغط مباشر على الاقتصاد التركي انعكس مباشرةً على قيادة النظام السياسي.
بدأت المقاطعة الشعبية تؤتي أكلها بتوليد وزيادة الضغوط الاقتصادية الداخلية التي من المتوقع أن تولد ضغوطاً اجتماعية فسياسيةً وأمنية هائلة على النظام التركي مما يجعل مشروعه التوسعي غير ممكن أيضا في هذه المرحلة، على غرار المقاطعة الدولية للنظام الإيراني. ومن المهم هنا أن نشير إلى أن المقاطعة يجب أن تبدأ إعلامياً حيث يضج الفضاء العربي بالمسلسلات التركية التي شكلت في السنوات الماضية (قوة ثقافية ناعمة عكسية)، وبالتأكيد ستكون مقاطعتها نقطة تحول سلبي في منحنى المشروع التوسعي التركي. كما يجب أيضاً أن يكون هناك تعاون وتكامل عربي-عربي والأهم من هذا أن يرتفع منحنى التعاون والتكامل الخليجي-الخليجي لضمان تأثير هذه الاستراتيجية وتحييد النظامين الأخطر في هذه المرحلة عن استهداف أمن واستقرار أمن الخليج العربي والمنطقة العربية وتهديد الأمن والسلم الدوليين.
اللواء ط/ر/م عيسى بن جابر آل فايع
باحث/ ش الاستراتيجية والأمن الدولي