يعود الشتاء بذكرياته، ظلام الليل، والصباح المحمل بالغيوم، وتزاحم أفراد العائلة حول مواقد التدفئة ، والتنادي لمائدة الإفطار قبل الخروج المبكر للأعمال والمدارس مع صوت الإذاعة وجمال فقراتها الممتعة.
موسم البرد سعادة لمن منحهم الله الأمن وأطعمهم من فضله لكنه زمهرير وعذاب للفقراء والمشردين واللاجئين.
الشتاء القارس القديم كان أجمل من صعوبة الظروف وقلة المؤن وشح الملبوسات. هل تغير الشتاء أم تغيرنا؟.. الواقع أننا لم نعد كما كنَّا، فقد أفتقدنا لأشياء كانت تُزين جميع فصول السنة بأعيننا وبقاء الحال من المحال، مات الآباء وتزوج الإخوة والأخوات والأبناء وغادروا المنازل التي نشأوا بها إلى غيرها، وتغيرت الأمزجة وضعفت الأواصر بين الكثير من الأقارب والأصدقاء وعزفوا عن دخول البيوت لتناول ما يتوفر بها من القهوة والطعام التقليدي بلا تكلف..
الشتاء وقت مناسب للتواصل وأحاديث السمر لكن هناك اليوم من لا يرغبون تلك المظاهر الشتوية القديمة وبالأصح لايريدون ذلك في دُورهم الجميلة التي تفتقد لوجوه الناس القادمين،، يقول قروي حكيم: حينما يتباعد الأقارب والأصدقاء من الرجال فأنظر لعلاقات نساءهم وقد تجد الجواب..
يطل علينا الشتاء اليوم ٢٠٢٢م كغيره من الفصول فيجدنا منشغلين بلا شغل في زوايا المنازل، لاهين بأجهزة التواصل وكأننا بين جدران الغرفة الواحدة من أهل القبور التي لا يتعارف أصحابها، فأي ذكريات سيجد صغارنا لاحقاً بعد هذا التباعد..
الناس تتذكر كل من غاب عنهم أو رحل عن دنياهم ويزيد الحنين إليهم كلما وجدوا أماكنهم التي كانوا يملؤنها فارغة، وفي بيتنا لا نعلم كيف سيكون الشتاء والمكان بعد رحيل الوالد "رحمه الله"، واختفاء بسمة الوالدة بشكل كبير وعدم رغبتها مغادرة منزلها مع أنها قادرة.. الله المستعان.