هُنا أبها.. مدينة التفاصيل الأخّاذة فاتنة الغيم و سيدة المدن المُبهرة؛ العابِقة بالحياة في كل الفصُول. المدينة التي لا تكف أن تُحلِّق بك على سفحٍ متّسِع لآفاقٍ بعيدة، إذ تُلامِس السحاب بعذوبة تُؤنِس وحشة القمر و تِطواف لمجراتٍ عصيّة على الوصول.
هُنا أبها.. ما بين الدّهشة و التَّهْتَان تختال بجمالها النادر على هذه الأرض، حينما يأْتلِق سحر الماضي المجيد بعَبَق الحاضر الطَموح المُتفرِّد لآتٍ مُشرق و مُزدَهر، يَرنو على مجدٍ إستثنائيٍ عزيزٍ لا يُضاهى منذ فجر الدنيا.
هُنا أبها.. بينما أعانِق أنا ساعات صباحي لهذا اليوم حيث تَنثُر خيوط الشمس وهج يتسربَل على إستحياء من نافذتي، في عزّ البرد القارس و أيام الشتاء الآن. للتّو أنهيتُ طقوسي الصباحية الأصيلة و أتممتُ مراسم زفافها بإحتسائي كوب قهوتي المُفضّلة، و من ثَم إرتديتُ عباءتي السوداء و معطفي ( الفرو ) الأنيق الذي أُحب، و حملت حقيبة يدي البيضاء ذات السلسال ذهبي اللون التي تحتفي بكافة أسراري، و حذائي الشتوي ذو الكعب العالي، لأُيَمِّم وجهي عَقِب ذلك صوب وجهتي الدائمة رفقة شغفي المُتّقِد، هناك حيث استديو التصوير المُعَتّق و فريق العمل الإعلامي الإبداعي.
كنت على موعدٍ مع ضيفتي فَوّاحة السّجايا رائعة الفِكر مُثرية و ثريّة العِلم كيف لا و هي إبنة السعودية العظمى، و ذلك لنتعاطى معاً خلال لقائنا مادة إعلامية مفيدة تُثري المُتلقي في دائرة إختصاصها حتماً.
و كالمعتاد في مثل هذه اللقاءات أُحب أن أتجاذَب الحديث المُحبب رفقة ضيوفي الكِرام قُبيل البدء بالتصوير، فأخذتُ و ضيفتي نسترسل شيئاً فشيئاً بحديث ماتع و مُثري في آن، حتى كاد الوقت أن يتسرّب من بين يدي رغم حرصي الكبير بإلتزام الزمن المُحدد. بيْد أن محاولاتي لم تُفلح في كل مرة أحاول أن أضع حداً لوقف الحديث الهادر شلالات من مُزَن العقول المبدعة، أخذَت ضيفتي الرائعة تحدثني تارةً عن الذكاء الإصطناعي بإسهابٍ منقطع النظير و اكتساحه كافة المجالات و ماهية الإستفادة من ذلك، و كيفية تنمية مهاراتنا البشرية لتحقيق الأهداف الآنية و المستقبلية في ظل هذا التطور التقني العظيم، و تارةً أخرى حدّثتني عن الصناعات المتقدمة في العديد من المجالات الصحية و الأكاديمية و الهندسية و الإعلامية و الإقتصادية و الترفيهية و غيرها من المجالات الحيوية الهامَّة.
في الخِضَم تبادرت إلى ذهني مواكِب من التساؤلات هل ثمّة شعوب ناجحة و شعوب أخرى فاشلة؟؟
فيما يعتصرني الألم على حالٍ يُطبِق عليه البؤس و الخَواء الفكري و الثقافي و الوطني، و اللاّ مبالاة، فضلاً عن التَّشرذُم، كذلك نوعية الإهتمامات التي هي بالأساس مكتسَبة في بعضها و غير مكتسَبة أيضاً والتي نراها باتت تنحصر في أحسن الأحوال في ما لا يُفيد البشرية ولا يُسهم في إعمار الأرض، لدى الغالبية من أبناء و بنات شعبنا السوداني حتى وصل بنا الحال إلى هذا الجحيم المُستَعِر و الراهن القاسي الأليم.
إن المملكة العربية السعودية هي قصة نجاح فريدة و عظيمة في بناء الإنسان و العمران في آن، إذ لم تغفل قيادتها الرشيدة أعظم مشروع حضاري و هو بناء الإنسان كونه الركيزة الرئيسية في بناء دولة متحضرة و عصرية و قوية و غير قابلة للإستعداء أيّاً كان شكله و مضمونه. نحن السودانيون بحاجة إلى إستلهام هذه التجربة العظيمة ليكون لنا شأن بين الأمم الأخرى ولا يزال بالإمكان أفضل ممّا كان بعون الله.
كتبه/ راما الشريف