تفتح عينيك في صباح جديد، تمر سويعات الأمس بأحداثها وتفاصيلها وكأنك تعيشها الآن، فلا زلت تحت تأثيرها ولكن سرعة مرور الوقت هو من يجعل أحداث الأمس البعيد وكأنها وليدة لحظتك، تسارع الزمان عجيب، ومنغصاته رغم رفاهية أيامه ولياليه تحدث في أرواحنا الشيء الكثير من الإحباطات والوهن واليأس وأحيانا كثيرة الحزن والألم..
النفس تحتاج إلى الراحة والسكون ولن يكون لها هذا وهي تسابق الزمن في تحقيق منجزات وأهداف بالركض المستمر بلا توقف، والجهد المستميت والمميت للشغف والطموح، جيد أن يكون لنا أهداف نسعى لتحقيقها ولكن ليس على حساب النفس المرهفة فالوقت سريع جدا، والأيام تمضي وتأخذ معها بريقك ولمعَانك، وإشراقة نفسك وروحك، إذ حين يدق الوهن والتعب أسفينه في روحك تضعف همتك وتنهار عزيمتك، تعامل بهدوء مع متطلبات الحياة وتخفف من كل ماليس له ضرورة في حياتك
تخفف من بعض علاقاتك، ومهامك، ورغباتك ..
( اعتزل كلّ ما يؤذيك )مقولة خالدة للخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسم لنا بها خارطة طريق آمنة، فالأذى بكافة أنواعه قد يكون حربا مدمرة للصحة والسكينة، والاستقرار ولكن هل كل عزلة محمودة؟
تنتابنا لحظات حزن أو ألم أو ضيق، يلجأ بعضنا إلى معاقبة نفسه بالانعزال، فيتقوقع وينطوي على نفسه فيما يشبه الإنهزامية تاركا للآخرين تفسير ما يعتريه حسب ما يظهر لهم ودون أن يكلف نفسه استغلال هذه العزلة بترميم روحه والخروج من النفق المظلم!
العزلة إما أن تكون اختيارية محمودة، أو إجبارية مذمومة..
تعتزل الآخرين حين لا ترى في تواجدك بينهم منفعة لك في بناء نفسك بما ترتضيه لها، ومدركا أن البقاء بينهم لن يضيف لك شيئا ذا قيمة في دينك ودنياك، كأن تعزل مجالس اللغط والجدال، أو صديق يسعى في كل لحظة النيل منك إما بالسخرية أو تقزيم إنجازاتك من باب الغيرة والحسد، أو أن تعتزل مديرا لا يتوانى في جعلك ضحية لكل إخفاقاته، أو أن تعتزل وضعا يفرض عليك الهروب من مواجهة المشاكل فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، هذه هي العزلة المحمودة..
أما حين تعتزل الآخرين في ردة فعل تجاه موقف معين فتنطوي وتستسلم للضغوطات النفسية التي تقتل كل جمال روحي داخلك فهذه عزلة سلبية..
رتم الحياة وتسارعها يفرض عليك شيئا من العزلة المحمودة، والانشغال بالتأمل، والتفكر، والتعايش الجميل، والتصالح مع الذات ومع المحيط..
دع الأيام تجري ولا تسابقها، لا تلهث خلف كل ما هو مُزيف ولو كان يلمع فالوتيرة البطيئة أحيانا تلهمك، وتفتح نوافذ الإبداع أمامك، والتفكير العميق يجنبك الوقوع في الفخ..
تأمل كل ما حولك، عش تفاصيل كل ما يحيط بك
من قطرات ماء، وتكوّن غيم، إلى حفيف شجر، وتغريد طير ، تمهل وتأمل طويلا واهدِ نفسك مزيدا من الوقت للراحة من عناء كل شيء.
بقلم: أ. جواهر محمد الخثلان