في عالم يزخر بالآراء المتباينة والمواقف المتنوعة، يظل النقاش والحوار من أهم الأدوات التي تعكس نضج الأفراد والمجتمعات.
لكنه قد يتحول أحيانًا من مساحة لتبادل الأفكار إلى ساحة للجدل العقيم، حيث يعلو الصوت على الحجة، ويتحول الاختلاف إلى تصيُّد، ويصبح الهدف ليس الفهم، بل التفوق على الآخر.
لكن المثير للدهشة هو عندما يكون الطرف المقابل على دراية بتوجهاتك وطريقة تفكيرك، ومع ذلك يصرّ على إنكار آرائك، وكأنها لم تكن متوقعة منه أو غير مقبولة لديه، فما الذي يدفع البعض إلى ذلك؟
لماذا يُنكر البعض آراءً يعرفون أنها تتماشى مع مبادئ مُحَاورهم؟
1- الرغبة في فرض القناعات
بعض الأشخاص لا يكتفون بطرح آرائهم، بل يريدون من الجميع أن يتبنوها وكأنها الحقيقة المطلقة. وعندما يواجهون رأيًا مختلفًا، حتى لو كانوا على علم مسبق بتوجهات صاحبه، فإنهم يحاولون إنكاره أو التقليل من شأنه.
2- التحكم في مسار النقاش
قد يكون إنكار الرأي أحيانًا أسلوبًا للسيطرة على مجرى الحوار. فعندما يحاول أحدهم إلغاء وجهة نظر الآخر، فهو في الواقع يسعى إلى دفع النقاش باتجاه معين يخدم منطقه وتوجهاته.
3- الجدل من أجل الجدل
هناك من لا يناقش للوصول إلى الحقيقة، بل لأنهم يستمتعون بالجدل ذاته. لذا، حتى لو كانوا يعرفون خلفية محاورهم، فإنهم يتجاهلون ذلك عمدًا ويجادلون وكأنهم يسمعون الرأي لأول مرة.
4- الخوف من الاعتراف بوجهة نظر أخرى
بعض الأشخاص يجدون صعوبة في تقبّل أن هناك آراء قد تكون صحيحة رغم اختلافها عن آرائهم. لذا، بدلاً من الاعتراف بذلك، يلجؤون إلى الإنكار أو التشكيك في الطرح المقابل.
كيف نتعامل مع هذا النوع من الحوارات؟
• عدم الانجرار إلى الاستفزاز: عندما يكون الطرف الآخر مصرًّا على إنكار رأيك، فلا داعي للدخول في دوامة الجدال العقيم. من الأفضل توضيح الفكرة بهدوء دون الحاجة لإثبات أي شيء لمن لا يريد أن يقتنع.
• وضع حدود للنقاش: ليس كل نقاش يستحق الاستمرار فيه. وإذا شعرنا أن الحوار بدأ ينحرف عن مساره إلى مجرد تصيُّد أو إنكار متعمد، فمن الأفضل إنهاؤه بأدب.
• التأكيد على مساحة الاختلاف: النقاش لا يعني أن يقتنع أحد الطرفين بوجهة نظر الآخر، بل يمكن أن ينتهي بمجرّد الاتفاق على الاختلاف، وهذا بحد ذاته نضج فكري.
ختامًا
النقاش المثمر هو الذي يقوم على الاحترام، والإنصات، والاعتراف بالاختلاف دون محاولة فرض الآراء أو إنكار الآخر.
أما إن كان الطرف المقابل لا يريد إلا إثبات تفوقه أو إثارة الجدل، فلا بأس من الانسحاب بلباقة، لأن بعض الحوارات لا تستحق العناء.
وكما قال الإمام الشافعي:
رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ
ورأيُ غيري خطأٌ يحتمل الصواب
بقلم/ حصة الزهراني
ماجستير في العلاقات العامة والاتصال المؤسسي – وزارة التعليم
التعليقات 3
3 pings
ام فيصل
06/03/2025 في 7:56 م[3] رابط التعليق
يسعد مساك أستاذة حصة
تسليط الضوء على هكذا موضوع مهم جدا
وكما تفضلتي غالبا الشخص يكون حامل الأربع نقاط التي ذكرتيها
القلة القليلة التي تطبق مقولة اختلاف الرأي لايفسد للود قضية
دام قلمك
دمتي بود وخير.
خديجة الغبيني
06/03/2025 في 8:56 م[3] رابط التعليق
كلام جميل .. وان شاء الله الحميع يستفيد منه
نجلاء ..
08/03/2025 في 8:57 م[3] رابط التعليق
فعلا ..ليس كل نقاش يستحق الاستمرار فيه..